أ- أحدهما أن هذا من باب التمثيل، والمعنى أنه سبحانه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم. واختار هذا القول الزمخشري وأبوحيان وأبو السعود. ب- والأكثرون على أن هذا من باب الحقيقة وأنه سبحانه قال ذلك للذرية حين أخذهم من ظهور آبائهم، فإنه سبحانه لما خلق آدم أخرج ذريته من صلبه، وهم مثل الذر، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم فأقروا، وشهدوا بذلك. وقد ورد هذا المعنى من طرق كثيرة عن النبي جمعه وبه قال جماعة من الصحابة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هولاء؟ قال: هولاء ذريتك" الحديث رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. واختلف المفسرون أيضا في الذين أخرجهم وأخذ عليهم ذلك العهد على قولين: أحدهما: أنه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وجعل فيها من المعرفة ما علمت به من خاطبها. الثاني: أنه خلق الأرواح والأجساد معا في الأرض. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا قال: ألست بربكم.. . الآية", أخرجه أحمد في المسند وابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك. أو لعله أراد أن الله سبحانه قدر له أن يكون نبيا قبل أن يخلق عيسى عليه السلام. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: "يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد" رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وأخرجه أحمد في المسند من طريقين، قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح، وأخرجه الطبراني من أحد طريقي أحمد.