تَارَةً، وَبِفِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ تَارَةً، وَبِالْعِلْمِ تَارَةً، وَبِالِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ تَارَةً، وَبِالِاحْتِجَاجِ بِالْأَشْبَاهِ وَالنُّظَرَاءِ تَارَةً، وَبِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَكَابِرِ تَارَةً أُخْرَى.
خَطَأٌ فِي فَهْمِ الِاسْتِغْفَارِ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، زَالَ أَثَرُ الذَّنْبِ وَرَاحَ هَذَا بِهَذَا، وَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ: أَنَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ وَقَدْ غُفِرَ ذَلِكَ أَجْمَعُهُ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» ، وَقَالَ لِي آخَرُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: نَحْنُ إِذَا فَعَلَ أَحَدُنَا مَا فَعَلَ، اغْتَسَلَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَقَدْ مُحِيَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي آخَرُ: قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَصَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ اللَّهُ ذَنْبَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَصَبْتُ ذَنْبًا، فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ.» وَقَالَ: أَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ لِي رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ قَدْ تَعَلَّقَ بِنُصُوصٍ مِنَ الرَّجَاءِ، وَاتَّكَلَ عَلَيْهَا وَتَعَلَّقَ بِهَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَإِذَا عُوتِبَ عَلَى الْخَطَايَا وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا، سَرَدَ لَكَ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَنُصُوصِ الرَّجَاءِ، وَلِلْجُهَّالِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ غَرَائِبُ وَعَجَائِبُ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ:
وَكَثِّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا ... إِذَا كَانَ الْقُدُومُ عَلَى كَرِيمٍ
وَقَوْلِ الْآخَرِ: التَّنَزُّهُ مِنَ الذُّنُوبِ جَهْلٌ بِسَعَةِ عَفْوِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْآخَرُ: تَرْكُ الذُّنُوبِ جَرَاءَةٌ عَلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَاسْتِصْغَارٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ: رَأَيْتُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعِصْمَةِ.
التَّعَلُّقُ بِالْجَبْرِ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْجَبْرِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا فِعْلَ لَهُ الْبَتَّةَ وَلَا اخْتِيَارَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجْبُورٌ عَلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي.
التَّعَلُّقُ بِالْإِرْجَاءِ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَغْتَرُّ بِمَسْأَلَةِ الْإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ، وَالْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ إِيمَانَ أَفْسَقِ النَّاسِ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute