فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَوِّضُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا سِوَاهُ وَلَا يُعَوِّضُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُغْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْءٌ، وَيُجِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُجِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، كَيْفَ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْ طَاعَةِ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ؟ وَكَيْفَ يَنْسَى ذِكْرَهُ وَيُضَيِّعُ أَمْرَهُ حَتَّى يُنْسِيَهُ نَفْسَهُ، فَيَخْسَرُهَا وَيَظْلِمُهَا أَعْظَمَ الظُّلْمِ؟ فَمَا ظَلَمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَلَكِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَا ظَلَمَهُ رَبُّهُ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ نَفْسَهُ.
[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ]
فَصْلٌ
الْمَعَاصِي تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ وَتَمْنَعُهُ مِنْ ثَوَابِ الْمُحْسِنِينَ، فَإِنَّ الْإِحْسَانَ إِذَا بَاشَرَ الْقَلْبَ مَنَعَهُ عَنِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إِلَّا لِاسْتِيلَاءِ ذِكْرِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ عَلَى قَلْبِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهُ، وَذَلِكَ سَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ، فَضْلًا عَنْ مُوَاقَعَتِهَا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِحْسَانِ، فَاتَهُ صُحْبَةُ رُفْقَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَعَيْشُهُمُ الْهَنِيءُ، وَنَعِيمُهُمُ التَّامُّ، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَقَرَّهُ فِي دَائِرَةِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَاهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي تُخْرِجُهُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إِلَيْهِ فِيهَا النَّاسُ أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ.
[فَصْلٌ الْعَاصِي يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْمُؤْمِنِينَ]
الْعَاصِي يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْمُؤْمِنِينَ
وَمَنْ فَاتَهُ رُفْقَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَحُسْنُ دِفَاعِ اللَّهِ عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَفَاتَهُ كُلُّ خَيْرٍ رَتَّبَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهُوَ نَحْوُ مِائَةِ خَصْلَةٍ، كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
فَمِنْهَا: الْأَجْرُ الْعَظِيمُ: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٤٦] .
وَمِنْهَا: الدَّفْعُ عَنْهُمْ شُرُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْحَجِّ: ٣٨] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute