{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: ٣٧] .
وَهَذَا دَاوُدُ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا كَانَ تَحْتَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، ثُمَّ أَحَبَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ فَتَزَوَّجَهَا وَكَمَّلَ بِهَا الْمِائَةَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ حُبٍّ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ، حُبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَانَ مَسْرُوقٌ يُسَمِّيهَا حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَسْأَلُهَا: «أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ أَهْلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رَأَى عَائِشَةَ لَا يَتَمَالَكُ عَنْهَا» .
وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَزُورُ هَاجَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا.
وَذَكَرَ الْخَرَائِطِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اشْتَرَى جَارِيَةً رُومِيَّةً، فَكَانَ يُحِبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا، فَوَقَعَتْ ذَاتَ يَوْمٍ عَنْ بَغْلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهَا وَيُقَبِّلُهَا، وَكَانَتْ تُكْثِرُ مِنْ أَنْ تَقُولَ: يَا بَطْرُونُ أَنْتَ قَالُونُ، تَعْنِي: يَا مَوْلَايَ أَنْتَ جَيِّدٌ، ثُمَّ إِنَّهَا هَرَبَتْ مِنْهُ، فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا، وَقَالَ:
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي قَالُونَ فَانْصَرَفَتْ ... فَالْيَوْمَ أَعْلَمُ أَنِّي غَيْرُ قَالُونَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَقَدْ أَحَبَّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ كَثِيرٌ، وَقَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأَيْتُ امْرَأَةً فَعَشِقْتُهَا، فَقَالَ: ذَلِكَ مَا لَا تَمْلِكُ.
فَالْجَوَابُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَالْجَائِزِ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالذَّمِّ وَالْإِنْكَارِ، وَلَا بِالْمَدْحِ وَالْقَبُولِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنَّمَا يَبِينُ حُكْمُهُ، وَيَنْكَشِفُ أَمْرُهُ بِذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ، وَإِلَّا فَالْعِشْقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يُحْمَدُ وَلَا يُذَمُّ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ النَّافِعَ مِنَ الْحُبِّ وَالضَّارِّ، وَالْجَائِزَ وَالْحَرَامَ.
[الْمَحَبَّةُ النَّافِعَةُ]