فِيهِ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ إِلَّا فِي زَمَنِ تَعَدُّدِ الْمُلُوكِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِهِمْ، وَانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِبِلَادٍ، وَطَلَبِ بَعْضِهُمُ الْعُلُوَّ عَلَى بَعْضٍ.
فَصَلَاحُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاسْتِقَامَتُهَا، وَانْتِظَامُ أَمْرِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى أَتَمِّ نِظَامٍ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ لَدُنْ عَرْشِهِ إِلَى قَرَارِ أَرْضِهِ بَاطِلٌ إِلَّا وَجْهَهُ الْأَعْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: ٩١ - ٩٣] .
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ - لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ - لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: ٢١ - ٢٣] .
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: ٤٢] .
فَقِيلَ: لَابْتَغَوُا السَّبِيلَ إِلَيْهِ بِالْمُغَالَبَةِ وَالْقَهْرِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَعْنَى: لَابْتَغَوْا إِلَيْهِ سَبِيلًا بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَطَاعَتِهِ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِهِ؟ وَهُمْ لَوْ كَانُوا آلِهَةً كَمَا يَقُولُونَ لَكَانُوا عَبِيدًا لَهُ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا وُجُوهٌ:
مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: ٥٧] .
أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِي هُمْ عِبَادِي كَمَا أَنْتُمْ عِبَادِي، وَيَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي، فَلِمَاذَا تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِي؟
الثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ لَابْتَغَوْا عَلَيْهِ سَبِيلًا، بَلْ قَالَ: لَابْتَغَوْا إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَهَذَا اللَّفْظُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّقَرُّبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٣٥] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute