وَقَدْ شَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَاشِقٍ أَنْ تُوَاصِلَهُ مَعْشُوقَتُهُ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَأَبَتْ، وَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُغِيثٍ وَبَرِيرَةَ «لَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي خَلْفَهَا وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ رَاجَعْتِيهِ؟ فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا، إِنَّمَا أَشْفَعُ، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، فَقَالَ لِعَمِّهِ: يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيَرَةَ، وَمِنْ بُغْضِهَا لَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ حُبَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ» .
وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَاوِي بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» يَعْنِي فِي الْحُبِّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٢٩] ، يَعْنِي فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ.
وَلَمْ يَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالرُّحَمَاءُ مِنَ النَّاسِ يَشْفَعُونَ لِلْعُشَّاقِ إِلَى مَعْشُوقِهِمُ الْجَائِزِ وَصْلُهُنَّ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِغُلَامٍ مِنَ الْعَرَبِ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ: مَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: لَسْتُ بِسَارِقٍ، وَلَكِنِّي أَصْدُقُكَ:
تَعَلَّقْتُ فِي دَارِ الرِّيَاحِيِّ خُودَةً ... يَذِلُّ لَهَا مِنْ حُسْنِ مَنْظَرِهَا الْبَدْرُ
لَهَا فِي بَنَاتِ الرُّومِ حُسْنٌ وَمَنْظَرُ ... إِذَا افْتَخَرَتْ بِالْحُسْنِ خَافَتْهَا الْفَخْرُ
فَلَمَّا طَرَقْتُ الدَّارَ مِنْ حَرِّ مُهْجَتِي ... أَبَيْتُ وَفِيهَا مِنْ تَوَقُّدِهَا الْجَمْرُ
تَبَادَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِي ثُمَّ صَيَّحُوا ... هُوَ اللِّصُّ مَحْتُومًا لَهُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ
فَلَمَّا سَمِعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شِعْرَهُ، رَقَّ لَهُ، وَقَالَ لِلْمُهَلَّبِ بْنِ رَبَاحٍ: اسْمَحْ لَهُ بِهَا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَلْهُ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: النَّهَّاسُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: خُذْهَا فَهِيَ لَكَ.
وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ جَارِيَةً فَأُعْجِبَ بِهَا إِعْجَابًا شَدِيدًا، فَسَمِعَهَا يَوْمًا تُنْشِدُ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
وَفَارَقْتُهُ كَالْغُصْنِ يَهْتَزُّ فِي الثَّرَى ... طَرِيرًا وَسِيمًا بَعْدَ مَا طَرَّ شَارِبُهُ
فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا تُحِبُّ سَيِّدَهَا، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ وَفِي قَلْبِهِ مِنْهَا.
وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي رَبِيعَةَ أَنَّ زُبَيْدَةَ قَرَأَتْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى حَائِطٍ:
أَمَا فِي عِبَادِ اللَّهِ أَوْ فِي إِمَائِهِ ... كَرِيمٌ يُجْلِي الْهَمَّ عَنْ ذَاهِبِ الْعَقْلِ
لَهُ مُقْلَةٌ أَمَّا الْأَمَاقِي قَرِيحَةٌ ... وَأَمَّا الْحَشَا فَالنَّارُ مِنْهُ عَلَى رِجْلِ
فَنَذَرَتْ أَنْ تَحْتَالَ لِقَائِلِهَا إِنْ عَرَفَتْهُ حَتَّى تَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُحِبُّهُ، فَبَيْنَا هِيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ،