وَاقْعُدُوا لَهُ بِطَرِيقِ الْحَجِّ، فَقُولُوا: طَرِيقُهُ مَخُوفَةٌ مُشِقَّةٌ، يَتَعَرَّضُ سَالِكُهَا لِتَلَفِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهَكَذَا فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى سَائِرِ طُرُقٍ الْخَيْرِ بِالتَّنْفِيرِ عَنْهَا وَذِكْرِ صُعُوبَتِهَا وَآفَاتِهَا، ثُمَّ اقْعُدُوا لَهُمْ عَلَى طُرُقِ الْمَعَاصِي فَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ، وَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلُوا أَكْثَرَ أَعْوَانِكِمْ عَلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ، فَمِنْ أَبْوَابِهِنَّ فَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَنِعْمَ الْعَوْنُ هُنَّ لَكُمْ.
ثُمَّ الْزَمُوا ثَغْرَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَامْنَعُوهَا أَنْ تَبْطِشَ بِمَا يَضُرُّكُمْ وَتَمْشِي فِيهِ.
النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ
وَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْبَرَ أَعْوَانِكُمْ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ الثُّغُورِ مُصَالَحَةُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، فَأَعْيُوهَا وَاسْتَعِينُوا بِهَا، وَأَمِدُّوهَا وَاسْتَمِدُّوا مِنْهَا، وَكُونُوا مَعَهَا عَلَى حَرْبِ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، فَاجْتَهِدُوا فِي كَسْرِهَا وَإِبْطَالِ قُوَاهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِقَطْعِ مَوَادِّهَا عَنْهَا، فَإِذَا انْقَطَعَتْ مَوَادُّهَا وَقَوِيَتْ مَوَادُّ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَانْطَاعَتْ لَكُمْ أَعْوَانُهَا، فَاسْتَنْزِلُوا الْقَلْبَ مِنْ حِصْنِهِ، وَاعْزِلُوهُ عَنْ مَمْلَكَتِهِ، وَوَلُّوا مَكَانَهُ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ إِلَّا بِمَا تَهْوَوْنَهُ وَتُحِبُّونَهُ، وَلَا تَجِيئُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَهُ أَلْبَتَّةَ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُكُمْ فِي شَيْءٍ تُشِيرُونَ بِهِ عَلَيْهَا، بَلْ إِذَا أَشَرْتُمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بَادَرَتْ إِلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ أَحْسَسْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ مُنَازَعَةً إِلَى مَمْلَكَتِهِ، وَأَرَدْتُمُ الْأَمْنَ مِنْ ذَلِكَ، فَاعْقِدُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ عَقْدَ النِّكَاحِ، فَزَيِّنُوهَا وَجَمِّلُوهَا، وَأَرُوهَا إِيَّاهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةِ عَرُوسٍ تُوجَدُ، وَقُولُوا لَهُ ذُقْ طَعْمَ هَذَا الْوِصَالِ وَالتَّمَتُّعِ بِهَذِهِ الْعَرُوسِ كَمَا ذُقْتَ طَعْمَ الْحَرْبِ، وَبَاشَرْتَ مَرَارَةَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، ثُمَّ وَازِنْ بَيْنَ لَذَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَرَارَةِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةِ، فَدَعِ الْحَرْبَ تَضَعُ أَوْزَارَهَا، فَلَيْسَتْ بِيَوْمٍ وَتَنْقَضِي، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْبٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ، وَقُوَاكَ تَضْعُفُ عَنْ حَرْبٍ دَائِمٍ.
وَاسْتَعِينُوا يَا بَنِيَّ بِجُنْدَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَنْ تُغْلَبُوا مَعَهُمَا:
أَحَدُهُمَا: جُنْدُ الْغَفْلَةِ، فَأَغْفِلُوا قُلُوبَ بَنِي آدَمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِكِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا غَفَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى تَمَكَّنْتُمْ مِنْهُ وَمِنْ إِغْوَائِهِ.
الثَّانِي: جُنْدُ الشَّهَوَاتِ، فَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَصُولُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَيْنِ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَيْسَ لَكُمْ فِي بَنِي آدَمَ أَبْلَغُ مِنْهُمَا، وَاسْتَعِينُوا عَلَى الْغَفْلَةِ بِالشَّهَوَاتِ، وَعَلَى الشَّهَوَاتِ بِالْغَفْلَةِ، وَاقْرِنُوا بَيْنَ الْغَافِلِينَ، ثُمَّ اسْتَعِينُوا بِهِمَا عَلَى الذَّاكِرِ، وَلَا يَغْلِبُ وَاحِدٌ خَمْسَةً، فَإِنَّ مَعَ الْغَافِلَيْنِ شَيْطَانَيْنِ صَارُوا أَرْبَعَةً، وَشَيْطَانُ الذَّاكِرِ مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ جَمَاعَةً مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا يَضُرُّكُمْ - مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُذَاكَرَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَدِينِهِ، وَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى تَفْرِيقِهِمْ - فَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِمْ بِبَنِي جِنْسِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ الْبَطَّالِينَ، فَقَرِّبُوهُمْ مِنْهُمْ، وَشَوِّشُوا عَلَيْهِمْ بِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute