ولاوهام. اعلم أن استعمال الالفاظ فيما وضعت له لغة تسمى حقيقة وقد تستعمل في غيره لقرينة ويسمى مجازا بالنظر إلى وضع اللغة. ثم هذا المجاز قد يعرض له كثرة استعمال عند قوم بحيث لا يستعمل اللفظ في غيره أو يستعمل قليلا فيصير ذلك اللفظ حقيقة عرفية عامة أو خاصة. فالعامة كالدابة فإنها في أصل الوضع اسم لما يدب على الأرض ثم خصصت بذوات الاربع مما يركب وشاع العرف العام بذلك حتى صار استعمال اللفظ فيه حقيقة عرفية لا يراد به غيرها حتى تركت به الحقيقة الأصلية وهذه حقيقة عرفية لغوية أيضًا ففي القاموس الدابة مادب من الحيوان وغلب على ما يركب انتهى والعرفية الخاصة كالالفاظ المصطلح عليها في الشرع أو في عرف طائفة كالصلاة والحج فانهما في اللغة اسم للدعاء والمقصد إلى معظم ثم خصا فى عرف الشرع بهذه الأفعال المخصوصة وكالفاعل والمفعول في عرف النحوى والوتد والسبب في عرف العروضي. فهذا القسم أيضًا شاع عند أهله حتى صار حقيقة عرفية اصطلاحية بحيث لا يفهم منه في تخاطبهم غيره وتركت به الحقيقة الأصلية. فالعرف له اعتبار في الكلام لأنَّه السابق إلى الافهام وذكر السيد الشريف قدس سره في حواشي المطالع أن اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفى مجاز في غيره. وقد صرح الاصوليون بان الحقيقة تترك بدلالة العادة كالنذر بالصلاة والحج. وصرح المحقق ابن الهمام في تحرير الأصول في بحث التخصيص أن العرف العملى لقوم مخصص للفظ العام الواقع في مخاطبتهم عند الحنفية خلافا للشافعية كما لو قال حرمت الطعام وعادتهم اكل البر انصرف الطعام إليه أي إلى البر وهو أي قول الحنفية هو الوجه أي المعتبر واما تخصيص العام بالعرف القولى وهو أن يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذلك المعنى فمحل اتفاق كإطلاق الدابة على الحمار والدراهم على النقد الغالب انتهى موضحا وتمامه فيه وقال في البحر من كتاب الوقف نقلا عن فتاوى العلامة قاسم تلميذ ابن الهمام نص أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه شيخ الإسلام ان قول الفقهاء نصوص الواقف كنص الشارح يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق ان لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا انتهى (فظهر) أن دلالة الالفاظ على معانيها العرفية معتبرة ومن ذلك ما صرحوا به من أن مبنى الإيمان على العرف قال العتابي وهو الصحيح وفي الكافي وعليه الفتوى كما نقله ابن امير حاج في شرح التحرير قبيل مسائل الحروف وعليه فروع كثيرة في كتب