مالك أو أجد مع أن الثابت في منشور كل قاض في زماننا تقييد الحكم بأصح أقوال أبي حنيفة فليس له الحكم بغير الأصح من المذهب فكيف بمذهب الغير *وهذا التقييد صريح فيعارض دلالة الحال المظنونة المحتملة* وقد علمت أن عدم قبول توبة انساب لم يثبت عن أبي حنيفة فضلًا عن كونه الأصح في مذهبه وحيث كان ذلك مذهب الغير كما حققناه وصرح به المولى أبو السعود أيضًا فلابد لصحة الحكم به من صريح الاذن حتى يكون ذلك استثناء مما قيده له في منشوره صريحًا وإلا فالاحتمال *لا يعارض الصريح بحال (على) أن القاضى المقلد لو حكم بخلاف مذهبه ففى نفاذه كلام فمال صاحب البحر تبعا للبزازية إلى النفاذ* ولكن نقل في القنية عن المحيط وغيره عدم النفاذ وجزم به المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم* وقال في النهران ما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب وما في البزازية محمول على أنه رواية عنهما انتهى* ولا يخفى أن الخلاف المذكور إنما هو حيث لم يقيد له موليه الحكم بمذهب أبى حنيفة فلو قيد كما هو الواقع الآن وكان القاضي حنفيًا فلا يتأتى الخلاف لأنَّه معزول من جهة موليه عن الحكم بغير مذهبه* فقد اجتمع عليه التقييد من جهتين جهة تقييد السلطان له بذلك وجهة التزامه في نفسه لذلك المذهب وكل واحدة من الجهتين بخصوصها مانعة من نفاذ حكمه على خلاف مذهبه الذى اعتقد صحته واعتمد أن يجعله حجته عند ربه تعالى (فلهذا) كتبت في تنقيح الحامدية أنه حيث لم يظهر للقاضي حسن توبة هذا الساب ومال إلى قتله فلابد له من أن ينصب قاضيًا حنبليًا أو مالكيًا ليحكم بذلك على مذهبه وينفذه القاضى الحنفي فيرتفع الخلاف لأن المسئلة اجتهادية ولكن لابد أن يكون ذلك القاضى مأذونًا بتولية القضاة وهو المسمى قاضي القضاة كقاضى مصر ودمشق الشام ونحوهما والله تعالى أعلم (هذا) غاية ما وصل إليه علمي* وانتهى إليه فهمي* في تقرير هذه المسائل* بحسب ما ظهر لي من النقول والدلائل* فإن كان صوابًا فهو من الله تعالى بمدد رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كان خطأ فهو من نفسى وأنا أعرض ذلك بين يدي ساداتي العلماء * الذين جعلهم الله تعالى على شرعه أمناء* فمن ظهر له حسنه فليتبعه وليدع لي بالرحمة* ومن ظهر له خلاف ذلك فليجتنبه وليستغفر لي من هذه الوصمة.
﴿تتمة﴾ قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى اعلم أنا وإن اخترنا أن من أسلم وحسن إسلامه تقبل توبته ويسقط قتله وهو ناج في الآخرة ولكنا نخاف على من يصدر ذلك منه خاتمة السوء نسأل الله تعالى العافية فإن التعرض لجناب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عظيم وغيرة الله له شديدة وجايته بالغة