(ثم قال:) وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعوا على ماذكرت لك، وهو قول مالك وعامة أهل العلم (والحمد لله) . إلا أن يكون الرجل معروفًا بالتدليس، فلا يُقبل حديثه حتى يقول: حدثنا أو سمعت، فهذا ما لا أعلم فيه أيضًا خلافًا.
ومن الدليل على أن (عن) محمولة عند أهل العلم بالحديث على الاتصال حتى يتبيّن الانقطاع فيها، ما حكاه أبوبكر الأثرم عن أحمد بن حنبل [فذكر رواية أبدل فيها الوليد بن مسلم عبارة (حُدِّثْتُ) بـ (عن) فقال ابن عبد البر:] ألا ترى أن أحمد بن حنبل (رحمه الله) عاب على الوليد بن مسلم قوله (عن) في المنقطع، ليدخله في الاتصال؟! فهذا بيانُ أن (عن) ظاهرُها الاتصال، حتى يثبت غيرُ ذلك، ومثل هذا عن العلماء كثير)) (١) .
ومع وضوح كلام ابن عبد البر هذا، فقد احتج به بعضُ أهل العلم على أن ابن عبد البر مخالفٌ لمسلم، وأنه يشترط العلم باللقاء!!! لذكره في شروط قبول الحديث المعنعن اللقاءَ والمجالسةَ والمشاهدة.
لكن ابن عبد البر لا يرجِّحُ قولاً على قول حتى يصح هذا الفهم، فهو لا يقول إن اشتراط العلم باللقاء قولٌ أصح من قول من لم يشترطه، بل هو ينقل الإجماعَ وعدمَ وجودِ خلافٍ على الرأي الذي يعرضه!!!