للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك فإني أعود لأقول: لو كان متقرّرًا عند أولئك العلماء أن البخاري يشترط العلم باللقاء، لَمَا نازعوه عِلْمَه، لمجرّد عدم علمهم!!

ثم ألا ترى كيف اعتقد بعضُ المتأخرين (الذين تَحَلَّوا بذلك الأدب العلميّ السابق ذكره) أن أولئك العلماءَ المتقدّمين لم يتحلَّوا بذلك الأدب!!! ولذلك تجدُهم دائبين على الإجابة عن كل اعتراضٍ بنفي السماع صادرٍ من أحد أولئك المتقدّمين، بنحو قولهم: البخاري مُثْبِت، وهم نافون، والمثبت مقدَّم على النافي، لأنه معه زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم.

فهل كان أولئك العلماءُ المتقدّمون غافلين عن هذا الأدب حقًّا؟! أم أنّهم عندما نفوا السماع لم يَرَوْا في شَرْطِ البخاري ما يُناقِضُ التزامهم به؟! ولذلك أباحوا لأنفسهم الانتقادَ والاعتراضَ!!

الحقُّ أنّ أولئك العلماء الذين انتقدوا واعترضوا على البخاري هم أهلٌ للتحلِّي بكل أدب، ومحلٌّ للقُدوة في كل خير (رحمة الله عليهم) .

فكم لابن عدي من موقفٍ يعلن فيه أنه مقلِّدٌ فيه البخاري (١) !!

وكم لأبي القاسم البغوي من ترجمةٍ اتّبع فيها البخاري، دون أن يقف على الدليل فيما ادّعاه البخاري من صحبةٍ لإحدى التراجم (٢) .

كل ذلك مراعاة منهم لأدب: (من كان عنده زيادةُ علمٍ حُجّةٌ على من لم يكن لديه تلك الزيادة) . فما بالُهم عارضوا البخاري في إثبات السماع؟!


(١) الكامل لابن عدي (٤/ ٢٠٤، ٢٣٢، ٣٠٦) (٥/ ٦٣، ٧٠) .
(٢) معجم الصحابة للبغوي (٣/ ٣٠٤-٣٠٧، ٣١٥، ٤٣٧) (٥/ ٤٤) .

<<  <   >  >>