يُقبل من غير المدلسين، لضعف احتمال الإرسال، وغلبه الظن بالاتّصال فيهما. وبذلك يظهر لمن كان يناظره السمعاني أن غالب الأحاديث المعنعنة محمولة على الاتّصال، وأن احتمال الإرسال فيها ضعيفٌ بعيد.
وغايةُ ما يقال: إن السمعاني أراد أن يذكر حالةً للحديث المعنعن يُقبل فيها من جميع الرواة ولو كانوا مدلِّسين، لذلك اشترط طول الصُّحْبة، بدليل عدم اشتراطه انتفاء التدليس لقبول العنعنة، وبدليل أن الشرط الذي ذكره هو الشرط الذي تُقْبَل معه العنعنة من المدلِّس. وكفى بهذين الدليلين بيانًا لمقصود السمعاني!!
وبذلك يتّضحُ مثالٌ جديدٌ لما اكتنفَ هذه المسألة من الإشكالات، وما أحاط بها من الفُهُوم غير الموفّقة، التي كادت تُخفي معالم الصواب فيها. إذ إن اعتقادَ بعضِ أهل العلم أن أبا المظفَّر السمعاني يشترط طول الصُّحْبة، قد ساعدَ في تثبيت الشرط المنسوب إلى البخاري، إذْ إن في شرط طول الصُّحْبة مخالفةً قويّةً لشرط مسلم من جهة، ويقدح في الإجماع الذي نقله مسلم من جهةٍ أخرى، وأخيرًا: يجعل الشرط الذي نُسِبَ إلى البخاري مذهبًا وَسَطًا بين إفراط السمعاني وتفريط مسلم (١) !! !
وهذا الموقف ذكّرني بعددٍ من الأقوال لبعض الأئمة، فُهِمت خطأً، وتضاربت الأقوال في تحديد مذهب أصحابها. سأذكر منهم هنا واحدًا، وأرجيءُ البقيّة إلى صُلْب البحث.
(١) يقول ابنُ رُشيد عقب ذكره مذهب أبي المظفر السمعاني عن المذهب المنسوب إلى البخاري: ((وهو مذهبٌ متوسّط)) ، ويقول: ((وهو أرجح المذاهب وأوسطها فلا تَغْلُ في شيءٍ من الأمر واقتصد ... كلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأمور ذميمُ)) السنن الأبين (٥٢، ٦٥) .