كانت هذه العبارات خبرًا مجرّدًا عن عدم العلم باللقاء، لأن عدَمَ العلم باللقاء وحده هو سبب الإعلال وعدم القبول.
ولذلك كان لازِمُ هذا المذهب، وهو نصُّ قائله أيضًا، ومن تابعه (كابن القطان الفاسي)(١) = أن الحديث المعنعن الذي لم يُعلم لقاء رواته ببعضهم أنه لا يقال عنه منقطع، وإنما يُكتفى بالتوقّفِ عن الحكم له بالاتصال.
وهذا موقفٌ صريحٌ أن ((لا أعلم لفلان سماعًا من فلان)) عند أصحاب هذا المذهب لا تعني ترجيحَ الانقطاع على الاتصال، وإنما هي خبرٌ مجرّدٌ عن عدم العلم باللقاء، الذي هو علّةٌ كافيةٌ وحدها للتوقف عن الحكم بالاتصال.
ولا شك أن هذا هو لازم مذهبهم، والذي التزموه فعلاً.
وهذا الفهم لعبارات نفي العلم بالسماع وما بُني عليه من الاستدلال فهمٌ غريبٌ جدًّا، وفهمٌ بعيدٌ كل البُعْد، ويتعارض مع تطبيقات العلماء قديمًا وحديثًا (كما سبق) . فلم يزل العلماء يُوردون عباراتِ نفي العلم بالسماع على أنها عباراتُ نفيٍ للسماع، وأنها تدل على ترجيح الانقطاع، بل على أنها تدل على الجزم بالانقطاع أيضًا!!
وهذا الفهم الذي عليه عمل العلماء (والذي يُناقِضُ تنظيرهم في مسألتنا هذه) هو الفهم الصحيح، وهو الفهم الذي يقضي على ذلك الاستدلال البعيد المأخوذِ من ذلك الفهم الغريب!!!