السادس: أن مسلمًا أفرد مسألة العنعنة بالحديث في مقدّمته غير المُطوَّلة، وأخذت من مقدّمته مساحةً كبيرة، وأطال فيها. ممّا يدل على أنه أولاها عنايته الخاصّة، ومحَّصَ فيها علمه، وأخلص فيها جهده.
فهل يصح تصوّر الخطأ من مثله، والحالة كما وصفنا؟!
السابع: أن البخاري شيخُ مسلم الأجلُّ لديه، الأكبر في عينيه. ولم يزل مسلم معظّمًا للبخاري، منابذًا لأعدائه. وهو القائل له لما ورد البخاري نيسابور سنة (٢٥٠هـ)(١) ، أي سنة انتهاء مسلم من تصنيف صحيحه (كما سبق) : ((دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدّثين وطبيب الحديث في علله)) .
ويقول الخطيب في (تاريخ بغداد) : ((وكان مسلمٌ يناضل عن البخاري، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه)) ثم أسند الخطيب إلى عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال: ((لما استوطن محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، أكثر مسلم بن الحجاج الاختلافَ إليه. فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، ونادى عليه، ومنع الناسَ من الاختلاف إليه. حتى هُجر، وخرج من نيسابور في تلك المحنة= قطعه أكثر الناس غير مسلم، فإنه لم يتخلّف عن زيارته. فأُنهيَ إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبة قديمًا وحديثًا، وأنه عوتب على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه. فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى، قال في آخر