مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا. فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، وخرج من مجلسه، وجمع كلَّ ما كان كتب عنه وبعث به على ظهر حمّال إلى باب محمد بن يحيى. فاستحكمت بذلك الوحشة، وتخلّف عنه وعن زيارته)) (١) .
فهل بعد هذه المحبّة وذلك التعظيم والتقديم يمكن أن يكون مسلم يقصد البخاريَّ بتلك العبارات البالغة الشدّة، التي سيأتي ذكرها، والتي يصف فيها مخالفَه بالجهل وخمول الذكر وأنه لا وزن له ولا اعتبار؟!!
الثامن: سبق أن مسلمًا انتهى من تصنيف صحيحه سنة (٢٥٠هـ) ، وهي سنة لقائه الطويل بالبخاري، حيث ورد البخاري نيسابور في هذه السنة، ليمكث فيها خمس سنوات. لازمه مسلم خلالها أشدَّ الملازمة، وعظّمه أشدّ التعظيم، وقال له تلك العبارات الدالة على إجلاله الذي لا يساويه إجلال، بل وناضل عنه وهَجَر الذهلي وحديثَه من أجل البخاري. ولم يزل يزور البخاري حتى بعد أن ترك البخاريُّ نيسابور، كما سبق في خبر الخطيب البغدادي.
يفعل مسلمٌ ذلك الإجلال كله، وتمتلكه تلك المحبة لشيخه، مع أنه كان قد كتب تلك المقدّمة، التي شنّع فيها على مشترط العلم بالسماع أشد تشنيع، وحمل عليه بكل قوّة!!!
وأنا أعجب غاية العجب ممن استدل بزمن تصنيف مسلم لصحيحه وزمن لقائه بالبخاري على أن مسلمًا قصد علي بن المديني دون