والآمدي العالمان الوحيدان اللذان أخذا ديوان الحماسة عن أبي المطرف الأنطاكي الذي سمعه عن أبي تمام، ولا شك أن لهذا قيمته في رواية المتن الذي اعتمده المصنف.
وثانيها: أن جماعة من شراح الحماسة قد بدوا في شروحهم مولعين بعنصر من عناصر شرح الشعر وولوعهم هذا دفعهم إلى عناية خاصة بما هو مولعون به، فأبو رياش كان مولعاً بأخبار الشعراء ومناسبات الشعر فجاء هذا العنصر وافياً في شرحه، وأبو عبد الله النمري وقف جل همه على معاني الشعر فجاء شرحه صورة مجسمة لهذا الهم، محققاً لعنصر المعاني غايته في الجلاء والبروز، وابن جنى كان مولعاً بالاشتقاق، وبالعويص المشكل من اللغة والنحو فجاء كتاباه المبهج والتنبيه موفيين لهذه المناحي متخصصين فيها.
فإذا علمنا أن المصنف قد أفاد من أعمال هؤلاء العلماء الثلاثة في شرحه فإن لهذا قيمة أخرى غير القيمة الأولى الخاصة برواية متن الحماسة، ذلك لأن الإفادة من عمل رجل علق هواه بعنصر معين حتى صار كالمتخصص فيه أفضل من الإفادة من عمل رجل لا تخصص لديه.
وثالثها: أننا رأينا من خلال موازنتنا بين مصادره ومصادر المرزوقي أن مصادره كانت مختلفة متنوعة، فهو بالنسبة لما سبقه من شروح قد أفاد من شروح شملت سائر أجيال العلماء الذين توالوا بعد بدء شروح الحماسة ابتداء من الديمرتي الذي أوضحنا في الكتاب الأول أنه أول شارح وصل إلنا خبر عنه أنه شرح الحماسة، وانتهاء بابن جنى الذي توفي في العقد الأخير من القرن الرابع، والأخذ من شروح العلماء في أجيال مختلفة له قيمته وبخاصة حين نعلم أن شرح الشعر ظل يتطور عبر الأجيال حتى وصل إلى أوج ازدهاره في القرن الرابع الهجري.
ورابعها: أن المصنف لم يكتف بالإفادة ممن شرحوا الحماسة فحسب بل تجاوز ذلك إلى علماء اللغة والنحو، وقد مثل هؤلاء أيضاً مراحل مختلفة في تطور علم العربية في فروعه المختلفة، فقد رأيناه يأخذ من الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٧٥،