للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

وَلَسْتُ أَعْنِي بِالنَّصَّيْنِ هَهُنَا مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَوَّلًا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ. فَنَقُولُ: مَدْلُولُ أَحَدِ النَّصَّيْنِ: إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَدْلُولَ الْآخَرِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، كَلَفْظَةِ " الْمُشْرِكِينَ " وَ " الْمُؤْمِنِينَ " مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ أَحَدِهِمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَدْلُولِ الْآخَرِ. فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، كَلَفْظَةِ " الْإِنْسَانِ " وَ " الْبَشَرِ " مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ أَحَدِهِمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَدْلُولِ الْآخَرِ، وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ. فَالْمُتَنَاوِلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: عَامٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ، وَالْآخَرُ خَاصٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُهُمَا يَجْتَمِعُ فِي صُورَةٍ، وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصُورَةٍ أَوْ صُوَرٍ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ " إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ» مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ. وَهُوَ مَا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الصُّبْحِ، أَوْ الْعَصْرِ وَيَنْفَرِدَانِ أَيْضًا، بِأَنْ تُوجَدَ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَإِذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فَالْإِشْكَالُ قَائِمٌ، لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ لَوْ قَالَ: لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى جَوَازِهَا عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ - وَهُوَ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ - فَأَخُصُّ قَوْلَهُ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ» بِقَوْلِهِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ " فَلِخَصْمِهِ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ " عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ " خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ - أَعْنِي الصَّلَاةَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ - عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَقَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ» خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَوَاتِ. فَوَقَعَ الْإِشْكَالُ مِنْ هَهُنَا. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي هَذَا إلَى الْوَقْفِ، حَتَّى يَأْتِيَ تَرْجِيحٌ خَارِجٌ بِقَرِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَمَنْ ادَّعَى أَحَدَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ أَعْنِي الْجَوَازَ أَوْ الْمَنْعَ - فَعَلَيْهِ إبْدَاءُ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَدِيثِ. .

[دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ] ١

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ، فَهَلْ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ؟ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ. يَقْتَضِي الرُّكُوعَ. وَقِيلَ: إنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا مِنْ جِهَةٍ مُعَارَضَةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَوْهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>