٦٣ - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ قَانُونًا فِي ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّ مَا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ، مُظْهِرًا لَهُ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ سُنَّةٌ. وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، وَعَدَّهُ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرِ، فَهُوَ فَضِيلَةٌ. وَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُظْهِرْهُ - وَهَذَا مِثْلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ - فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَضِيلَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ رَاجَعَا إلَى الِاصْطِلَاحِ: فَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ. فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ فِي التَّسْمِيَاتِ عَلَى وَضْعٍ يَرَاهُ. وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى اخْتِلَافٍ فِي مَعْنًى. فَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأَكُّدُ أَمْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِمَا. وَمُقْتَضَاهُ: تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِمَا. فَلْيَقُلْ بِهِ. وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يُسَمِّيهَا سُنَّةً، وَإِنْ أُرِيدَ: أَنَّهُمَا مَعَ تَأَكُّدِهِمَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فِي الْجَمَاعَةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ رُتَبَ الْفَضَائِلِ تَخْتَلِفُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا سُمِّيَ بِالسُّنَّةِ أَعْلَاهَا رُتْبَةً: رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الِاصْطِلَاحِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
[بَابُ الْأَذَانِ]
[حَدِيثُ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ]
الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ قَوْلَهُ " أُمِرَ " رَاجِعٌ إلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَا " أُمِرْنَا " وَ " نُهِينَا "؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ: انْصِرَافُهُ إلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ شَرْعًا. وَمَنْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا. وَهُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالتَّقْدِيرَاتِ فِيهَا: لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِيتَارِ فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ. وَيَخْرُجُ عَنْهُ التَّكْبِيرُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ مَثْنَى وَالتَّكْبِيرُ الْأَخِيرُ أَيْضًا. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute