للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٩ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ

ــ

[إحكام الأحكام]

وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِبْعَادِ تَسَاوِي صَلَاتِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ صَلَاتِهِ فِي السُّوقِ جَمَاعَةً فِيهِمَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ مَعْنَى السُّوقِ، مَعَ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ. وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِنُقْصَانِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ. يَلْزَمُهُ تَسَاوِي مَا وُجِدَتْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةُ فِي مِقْدَارِ التَّفَاضُلِ. أَمَّا إذَا جَعَلْنَا التَّفَاضُلَ بَيْنَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَاتِهَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ مُنْفَرِدًا، فَوَصْفُ " السُّوقِ " هَاهُنَا مُلْغَى، غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

فَلَا يَلْزَمُ تَسَاوِي مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ مَعَ مَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ فِي مِقْدَارِ التَّفَاضُلِ. وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا السُّوقَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ لِلصَّلَاةِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الْحَمَّامَ الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا.

[خُرُوجُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَسْجِدِ]

الْبَحْثُ الرَّابِعُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْصَافَ الَّتِي يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا لَا تُلْغَى. فَلْيُنْظَرْ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعْتَبَرًا مِنْهَا وَمَا لَا. أَمَّا وَصْفُ الرُّجُولِيَّةِ: فَحَيْثُ يُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ إلَى الْمَسْجِدِ، يَنْبَغِي أَنْ تَتَسَاوَى مَعَ الرَّجُلِ، لِأَنَّ وَصْفَ الرُّجُولِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَوَابِ الْأَعْمَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْبَيْتِ: فَوَصْفُ كَوْنِهِ فِي الْبَيْتِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّعْلِيلِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ: فَمُعْتَبَرٌ لِلْمُنَاسِبَةِ، لَكِنْ: هَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ طَاهِرًا، أَوْ فِعْلُ الطَّهَارَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَيَتَرَجَّحُ الثَّانِي بِأَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنْ الْأَظْهَرُ: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا تَوَضَّأَ " لَا يَتَقَيَّدُ بِالْفِعْلِ. وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَلَبَةِ، أَوْ ضَرْبَ الْمِثَالِ. وَأَمَّا إحْسَانُ الْوُضُوءِ: فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ. وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِعْلُ الطَّهَارَةِ. لَكِنْ يَبْقَى مَا قُلْنَاهُ: مِنْ خُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، أَوْ ضَرْبَ الْمِثَالِ وَأَمَّا خُرُوجُهُ إلَى الصَّلَاةِ: فَيُشْعِرُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ لِأَجْلِهَا. وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلَاةُ» وَهَذَا وَصْفٌ مُعْتَبَرٌ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ: فَبِالضَّرُورَةِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا. فَإِنَّهَا مَحِلُّ الْحُكْمِ.

الْبَحْثُ الْخَامِسُ: الْخُطْوَةُ - بِضَمِّ الْخَاءِ - مَا بَيْنَ قَدَمَيْ الْمَاشِي، وَبِفَتْحِهَا: الْفَعْلَةُ. وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ مَفْتُوحَةٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِعْلُ الْمَاشِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>