فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
[حَدِيثُ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا]
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَقَدْ أَطْلَقَ فِيهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ أُمَّ الرَّجُلِ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنَّذْرِ. وَهُوَ يَقْتَضِي: أَنْ لَا يُتَخَصَّصَ جَوَازُ النِّيَابَةِ بِصَوْمِ النَّذْرِ.
وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيَّةِ، تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ، خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَحْمَدُ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ، بَعْدَ سُؤَالِ السَّائِلِ مُطْلَقًا عَنْ وَاقِعَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِيهَا عَنْ نَذْرٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِهِ. فَخَرَجَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا أَجَابَ بِلَفْظٍ غَيْرِ مُقَيَّدٍ عَنْ سُؤَالٍ وَقَعَ عَنْ صُورَةٍ مُحْتَمَلَةٍ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهَا مُخْتَلِفًا: أَنَّهُ يَكُونُ الْحُكْمُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ كُلِّهَا. وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ " تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ قَضَايَا الْأَحْوَالِ، مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ: مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ " وَقَدْ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ هَذَا
وَجَعَلَهَا كَالْعُمُومِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ قَضَاءَ الصَّوْمِ بِعِلَّةٍ عَامَّةٍ لِلنَّذْرِ وَغَيْرِهِ
وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَيْهَا. وَقَاسَهُ عَلَى الدَّيْنِ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالنَّذْرِ - أَعْنِي كَوْنَهَا حَقًّا وَاجِبًا - وَالْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ فِي الشَّرِيعَةِ بِهَذَا، مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاسَ وُجُوبَ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ حَقِّ الْعِبَادِ. وَجَعَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَحَقِّ. فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ الْقِيَاسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى () {وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: ١٥٨] لَا سِيَّمَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " أَرَأَيْتِ " إرْشَادٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ كَشَيْءٍ مُسْتَقِرٍّ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ
وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ " دَلَالَةٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، عِنْدَ تَزَاحُمِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ، كَمَا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ. وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الْوَفَاءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ مَنْ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ دَيْنِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ ".
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: فَفِيهَا مَا فِي الْأُولَى مِنْ دُخُولِ النِّيَابَةِ فِي الصَّوْمِ، وَالْقِيَاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute