للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَقُولُ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَقَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ. وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قُلْتُ: أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا. فَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ دَاوُد. وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ. فَقُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد - شَطْرَ الدَّهْرِ - صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» .

ــ

[إحكام الأحكام]

[بَابُ أَفْضَلِ الصِّيَامِ وَغَيْرِهِ]

فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ الْأُولَى: " صَوْمُ الدَّهْرِ " ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى جَوَازِهِ. مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَمَنَعَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَتَأَوَّلَ مُخَالِفُوهُمْ هَذَا عَلَى مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، وَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْ صَوْمِهَا، كَيَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَكَأَنَّ هَذَا مُحَافَظَةٌ عَلَى حَقِيقَةِ صَوْمِ الْأَبَدِ. فَإِنَّ مَنْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، مَعَ غَيْرِهَا: هُوَ الصَّائِمُ لِلْأَبَدِ. وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهَا لَمْ يَصُمْ الْأَبَدَ، إلَّا أَنَّ فِي هَذَا خُرُوجًا عَنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ مَدْلُولُ لَفْظَةِ " صَامَ " فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ شَرْعًا. إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا حَقِيقَةُ الصَّوْمِ، فَلَا يَحْصُلُ حَقِيقَةُ " صَامَ " شَرْعًا لِمَنْ أَمْسَكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ.

فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى حَقِيقَةِ لَفْظِ " الْأَبَدِ " فَقَدْ وَقَعَ الْإِخْلَالُ بِحَقِيقَةِ لَفْظِ " صَامَ " شَرْعًا، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ. وَإِذَا تَعَارَضَ مَدْلُولُ اللُّغَةِ وَمَدْلُولُ الشَّرْعِ فِي أَلْفَاظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>