للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثُ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ وَتَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْقِتَالَ لِلشَّجَاعَةِ وَالْحَمِيَّةِ، وَالرِّيَاءِ: خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا " الرِّيَاءُ " فَهُوَ ضِدُّ الْإِخْلَاصِ بِذَاتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونَ بِعَيْنِهِ لِأَجْلِ النَّاسِ، وَأَمَّا " الْقِتَالُ لِلشَّجَاعَةِ " فَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ دَاخِلًا فِي قَصْدِ الْمُقَاتِلِ، أَيْ قَاتَلَ لِأَجْلِ إظْهَارِ الشَّجَاعَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِي مُنَافَاتِهِ لِلْإِخْلَاصِ.

وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِقِتَالِهِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ لَهُ فِي الْقَصْدِ بِالْقِتَالِ كَمَا يُقَالُ: أَعْطَى لِكَرْمِهِ، وَمَنَعَ لِبُخْلِهِ، وَآذَى لِسُوءِ خُلُقِهِ وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالسُّؤَالِ، وَلَا الذَّمِّ فَإِنَّ الشُّجَاعَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ يَقْصِدُ بِهِ إظْهَارَ الشَّجَاعَةِ، وَلَا دَخَلَ قَصْدُ إظْهَارِ الشَّجَاعَةِ فِي التَّعْلِيلِ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا " قَاتَلَ لِلشَّجَاعَةِ " أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِكَوْنِهِ شُجَاعًا فَقَطْ، وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: حَالٌ يُقْصَدُ بِهَا إظْهَارُ الشَّجَاعَةِ، وَحَالٌ يُقْصَدُ بِهَا إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَالٌ يُقَاتِلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إعْلَاءَ كَلِمَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا إظْهَارَ الشَّجَاعَةِ عَنْهُ، وَهَذَا يُمْكِنُ فَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي تَدْهَمُهُ الْحَرْبُ، وَكَانَتْ طَبِيعَتُهُ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْقِتَالِ: يَبْدَأُ بِالْقِتَالِ لِطَبِيعَتِهِ، وَقَدْ لَا يَسْتَحْضِرُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، أَعْنِي أَنَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُوضِحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ لَا يُنَافِيه وُجُودُ قَصْدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، وَقَاتَلَ لِلرِّيَاءِ؛ لِأَنَّهُ شُجَاعٌ، فَإِنَّ الْجُبْنَ مُنَافٍ لِلْقِتَالِ، مَعَ كُلِّ قَصْدٍ يُفْرَضُ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّالِثُ: فَإِنَّهُ يُنَافِيه الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِ الْقِتَالَ لِلشَّجَاعَةِ بِقَيْدِ التَّجَرُّدِ عَنْ غَيْرِهَا، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>