٦٦ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ " إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ لِلسَّامِعِينَ قَطْعًا. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ وَقْتُ الْأَذَانِ مُشْتَبَهًا، مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَقَارُبِ وَقْتِ أَذَانِ بِلَالٍ مِنْ الْفَجْرِ.
[كون الْمُؤَذِّن أَعْمَى] ١
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى. فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ أَعْمَى. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ جَوَازِ اجْتِهَادِهِ فِيهِ. فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَذَلِكَ إمَّا سَمَاعٌ مِنْ بَصِيرٍ، أَوْ اجْتِهَادٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى الْبَصِيرِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رُجُوعِهِ إلَى الِاجْتِهَادِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا لَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا.
وَاسْمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِيمَا قِيلَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيثُ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ]
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ مَطْلُوبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِجَابَةِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ بِحِكَايَةِ لَفْظِ الْمُؤَذِّنِ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ سَامِعَ الْمُؤَذِّنِ يُبْدِلُ الْحَيْعَلَةَ بِالْحَوْلَقَةِ - وَيُقَالُ الْحَوْقَلَةُ - لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهَا، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِخُصُوصِهِ وَعُمُومِ هَذَا. وَذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى: أَنَّ الْأَذْكَارَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْحَيْعَلَةِ يَحْصُلُ ثَوَابُهَا بِذِكْرِهَا، فَيَشْتَرِكُ السَّامِعُ وَالْمُؤَذِّنُ فِي ثَوَابِهَا إذَا حَكَاهَا السَّامِعُ، وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute