. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إلْغَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مُعْتَبَرًا. لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ: فَاللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِمُضَاعَفَةِ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ. وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ أُمُورٍ:
مِنْهَا: الْوُضُوءُ فِي الْبَيْتِ، وَالْإِحْسَانُ فِيهِ، وَالْمَشْيُ إلَى الصَّلَاةِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ. وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ. وَإِذَا عُلِّلَ هَذَا الْحُكْمُ بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْجُودًا فِي مَحِلِّ الْحُكْمِ. وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا مِنْهَا، فَالْأَصْلُ: أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ بِدُونِهِ. فَمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَحْصُلْ فِي صَلَاتِهِ بَعْضُ هَذَا الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمَشْيُ الَّذِي بِهِ تُرْفَعُ لَهُ الدَّرَجَاتُ وَتُحَطُّ عَنْهُ الْخَطِيئَاتُ. فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ: أَنْ لَا يَحْصُلَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ لَهُ. لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ - أَعْنِي الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ، مَعَ كَوْنِهِ رَافِعًا لِلدَّرَجَاتِ، حَاطًّا لِلْخَطِيئَاتِ - لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ. وَهَذَا مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِي هَذَا اللَّفْظِ، إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ الْآخَرَ - وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي تَرْتِيبَ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مُطْلَقِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ -: يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ حُصُولُ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الثَّوَابِ لِمَنْ صَلَّى جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ. فَيَتَصَدَّى النَّظَرُ فِي مَدْلُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ فِي الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ، أَوْ مَعْنَى ذَلِكَ. وَلَعَلَّ هَذَا نَظَرًا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
[إقَامَة الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ] ١
الْبَحْثُ الثَّانِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالِانْفِرَادِ. وَهَلْ يَحْصُلُ لِلْمُصَلِّي فِي الْبُيُوتِ جَمَاعَةً هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ: حُصُولُهُ. وَلَسْت أَعْنِي أَنَّهُ لَا تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ عَلَى الِانْفِرَادِ فِيهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَا شَكَّ فِيهِ. إنَّمَا النَّظَرُ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَفَاضَلُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ أَمْ لَا؟ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ هَذَا الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْفَضِيلَةِ: عَدَمُ حُصُولِ مُطْلَقِ الْفَضِيلَةِ. وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ: هَلْ يَتَأَدَّى بِهَا الْمَطْلُوبُ؟ فَعَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute