٢١٠ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً» - وَفِي رِوَايَةٍ: «يَوْمًا - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً.
ــ
[إحكام الأحكام]
وَقَوْلُهَا " وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " كِنَايَةٌ عَمَّا يَضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الْحَدَثِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ لَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، وَالْمَسْجِدُ مَانِعٌ مِنْهُ. وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ - أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَيْهِ، أَوْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ - فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ لِعُمُومِهِ. فَإِذَا ضُمَّ إلَى ذَلِكَ قَرِينَةُ الْحَاجَةِ إلَى الْخُرُوجِ لِكَثِيرٍ مِنْهُ، أَوْ قِيَامِ الدَّاعِي الشَّرْعِيِّ فِي بَعْضِهِ، كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَشَبَهِهِ. قَوِيَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَنْعِ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ: جَوَازُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ عَلَى وَجْهِ الْمُرُورِ، مِنْ غَيْرِ تَعْرِيجٍ. وَفِي لَفْظِهَا إشْعَارٌ بِعَدَمِ عِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
[حَدِيثُ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً]
فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ:
أَحَدُهَا: لُزُومُ النَّذْرِ لِلْقُرْبَةِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِعُمُومِهِ مَنْ يَقُولُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِكُلِّ مَنْذُورٍ.
١ -
وَثَانِيهَا: يُسْتَدَلُّ بِهِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النَّذْرِ مِنْ الْكَافِرِ.
وَهُوَ قَوْلٌ - أَوْ وَجْهٌ - فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ. وَمَنْ يَقُولُ بِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَوِّلَ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِاعْتِكَافِ يَوْمٍ شَبِيهٍ بِمَا نَذَرَ، لِئَلَّا يُخِلَّ بِعِبَادَةٍ نَوَى فِعْلَهَا.
فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْذُورٌ لِشَبَهِهِ بِالْمَنْذُورِ، وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي فِعْلِ مَا نَوَاهُ مِنْ الطَّاعَةِ. وَعَلَى هَذَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، أَوْ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ. ظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُهُ. فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ هَذَا الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُ الْكَافِرِ الِاعْتِكَافَ: اُحْتِيجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَإِلَّا فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute