للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٦١ - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي وَاَللَّهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى

ــ

[إحكام الأحكام]

بِعَدَمِ الْعَوْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ إذَا أَتَتْ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هَذَا التَّكَلُّفُ كَانَتْ جَدِيرَةً بِالْعَوْنِ عَلَى أَعْبَائِهَا وَأَثْقَالِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَلْطَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَبْدِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى إصَابَةِ الصَّوَابِ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، تَفَضُّلًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ وَالْهِدَايَةِ إلَى النَّجْدَيْنِ، هِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، كَثُرَ فِيهَا الْكَلَامُ فِي فَنِّهَا، وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ الْآن.

[مَسْأَلَة التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ] ١

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْحَدِيثِ تَعَلُّقٌ بِالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالْبُدَاءَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَالْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِهَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ طَرِيقَةُ مَنْ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّ الْفَاءَ تَقْضِي التَّرْتِيبَ وَالتَّعْقِيبَ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ التَّكْفِيرُ مُسْتَعْقِبًا لِرُؤْيَةِ الْخَيْرِ فِي الْحِنْثِ، فَإِذَا اسْتَعْقَبَهُ التَّكْفِيرُ تَأَخَّرَ الْحِنْثُ ضَرُورَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا " إنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ " لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ حُكْمِ الْوَاوِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا " فَكَفِّرْ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " فَافْعَلْ هَذَيْنِ "، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَمْ يَقْتَضِ تَرْتِيبًا وَلَا تَقْدِيمًا، فَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِالْوَاوِ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا ذَكَرَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ: إنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ غَسْلِ الْوَجْهِ، بِسَبَبِ الْفَاءِ، وَإِذَا وَجَبَ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ.

[مَسْأَلَة الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ] ١

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يَقْتَضِي الْحَدِيثُ تَأْخِيرَ مَصْلَحَةِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ إذَا كَانَ غَيْرُهُ خَيْرًا، بِنَصِّهِ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ: فَقَدْ يُشِيرُ بِأَنَّ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْخَيْرِ فِي غَيْرِهَا مَطْلُوبٌ، وَقَدْ تَنَازَعَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: () {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [البقرة: ٢٢٤] وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَيَكُونُ مَعْنَى " عُرْضَةً " أَيْ مَانِعًا، وَ " أَنْ تَبَرُّوا " بِتَقْدِيرِ: مَا أَنْ تَبَرُّوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>