للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ» وَفِي لَفْظٍ «كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفًا» .

ــ

[إحكام الأحكام]

[الْعَمَلُ بِالْقِيَافَةِ]

" أَسَارِيرُ وَجْهِهِ " تَعْنِي الْخُطُوطَ الَّتِي فِي الْجَبْهَةِ. وَاحِدُهَا سَرَرٌ وَسِرَرٌ وَجَمْعُهُ أَسْرَارٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَارِيرُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْخُطُوطُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْكَفِّ مِثْلُهَا السَّرَرُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ - وَالسِّرَرُ - بِكَسْرِ السِّينِ. اسْتَدَلَّ بِهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ عَلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِهِمْ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْقِيَافَةِ، حَيْثُ يُشْتَبَهُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِأَحَدِ الْوَاطِئِينَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، لَا فِي كُلِّ الصُّوَرِ بَلْ فِي بَعْضِهَا.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يُسَرُّ بِبَاطِلٍ. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَاعْتِذَارُهُمْ عَنْ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ إلْحَاقُ مُتَنَازَعٍ فِيهِ، وَلَا هُوَ وَارِدٌ فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ. فَإِنَّ أُسَامَةَ كَانَ لَاحِقًا بِفِرَاشِ زَيْدٍ، مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ لَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْكُفَّارُ يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِهِ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَ لَوْنِهِ وَلَوْنِ أَبِيهِ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، فَلَمَّا غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، وَأَلْحَقَ مُجَزِّزٌ أُسَامَةَ بِزَيْدٍ: كَانَ ذَلِكَ إبْطَالًا لِطَعْنِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِ اعْتِرَافِهِمْ بِحُكْمِ الْقِيَافَةِ " وَإِبْطَالُ طَعْنِهِمْ حَقٌّ. فَلَمْ يُسَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِحَقٍّ.

وَالْأَوَّلُونَ يُجِيبُونَ: بِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَارِدًا فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ - إلَّا أَنَّ لَهُ جِهَةً عَامَّةً وَهِيَ دَلَالَةُ الْأَشْبَاهِ عَلَى الْأَنْسَابِ. فَنَأْخُذُ هَذِهِ الْجِهَةَ مِنْ الْحَدِيثِ وَنَعْمَلُ بِهَا.

وَاخْتَلَفَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْقِيَافَةِ: هَلْ تَخْتَصُّ بِبَنِي مُدْلِجٍ، أَمْ لَا؟ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْأَشْبَاهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِهِمْ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قُوَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ وَمَحَلُّ النَّصِّ إذَا اخْتَصَّ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لَمْ يُمْكِنْ إلْغَاؤُهُ "، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلشَّارِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>