للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٢٨ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ:

ــ

[إحكام الأحكام]

قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى التَّقْدِيرَاتِ. فَإِنَّ الْفَرْعَ إذَا دَارَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، فَأُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا مُطْلَقًا، فَقَدْ أَبْطَلَ شَبَهَهُ الثَّانِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ بِالثَّانِي، وَمُحِضَ إلْحَاقُهُ بِهِ: كَانَ إبْطَالًا لِحُكْمِ شَبَهِهِ بِالْأَوَّلِ فَإِذَا أُلْحِقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ: كَانَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ: مَا إذَا دَارَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ، يَقْتَضِي الشَّرْعُ إلْحَاقَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَيْهِ. وَهَهُنَا لَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ إلَّا إلْحَاقَ هَذَا الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ. وَالشَّبَهُ هَهُنَا غَيْرُ مُقْتَضٍ لِلْإِلْحَاقِ شَرْعًا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ " وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ " عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَالْإِرْشَادِ إلَى مَصْلَحَةٍ وُجُودِيَّةٍ، لَا عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ وُجُوبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَيُؤَكِّدُهُ: أَنَّا لَوْ وَجَدْنَا شَبَهًا فِي وَلَدٍ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ لَمْ يَثْبُتْ لِذَلِكَ حُكْمًا وَلَيْسَ فِي الِاحْتِجَابِ هَهُنَا إلَّا تَرْكُ أَمْرٍ مُبَاحٍ، عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَهُوَ قَرِيبٌ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " هُوَ لَكَ " أَيْ أَخٌ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» أَيْ تَابِعٌ لِلْفِرَاشِ أَوْ مَحْكُومٌ بِهِ لِلْفِرَاشِ، أَوْ يُقَارِبُ هَذَا.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . قِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ الْخَيْبَةَ مِمَّا ادَّعَاهُ وَطَلَبَهُ، كَمَا يُقَالُ: لِفُلَانٍ التُّرَابُ. وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا " تَعْبِيرًا بِذَلِكَ عَنْ خَيْبَتِهِ: وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لِثَمَنِ الْكَلْبِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُجْرُوا اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَجْعَلُوا الْحَجَرَ " هَهُنَا عِبَارَةً عَنْ الرَّجْمِ الْمُسْتَحَقِّ فِي حَقِّ الزَّانِي: لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَاهِرٍ يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ. وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُحْصَنُ فَلَا يَجْرِي لَفْظُ " الْعَاهِرِ " عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْعُمُومِ؛ أَمَّا إذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا " مِنْ الْخَيْبَةِ: كَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي حَقِّ كُلِّ زَانٍ. وَالْأَصْلُ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ فِيمَا تَقْتَضِيهِ صِيغَتُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>