٢٠٠ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَزَادَ مُسْلِمٌ " وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ".
ــ
[إحكام الأحكام]
وَرَدَتْ عِلَّتُهُ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ أَجْرِ الشَّهْرِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ، وَرَأَى مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَجْرٌ بِلَا تَضْعِيفٍ، لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ الشَّهْرِ تَقْدِيرًا، وَبَيْنَ صَوْمِهِ تَحْقِيقًا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَأَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَ الْأَقَلَّ الَّذِي تَوَجَّهَ التَّأْكِيدُ لِفِعْلِهِ، وَعَدَمُ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ يَقُومُ بِدَلَالَةِ الْقَوْلِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ: أَنْ تَتَضَافَرَ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ، نَعَمْ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَتَرَجَّحُ مَرْتَبَتُهُ عَلَى هَذَا ظَاهِرًا. وَأَمَّا النَّوْمُ عَنْ الْوِتْرِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا كَلَامٌ فِي تَأْخِيرِ الْوِتْرِ وَتَقْدِيمِهِ، وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقِيَامِ آخِرَ اللَّيْلِ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَثِقْ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ مَخْصُوصَةً بِحَالِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي حَالِهِ.
[حَدِيثُ النَّهْي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]
النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِهِ مُفْرَدًا، كَمَا تَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ: أَنْ لَا يُخَصَّ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ بِعِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِمَا فِي التَّخْصِيصِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ فِي تَخْصِيصِ السَّبْتِ بِالتَّجَرُّدِ عَنْ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ، إلَّا أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا يَخُصُّونَ يَوْمَ السَّبْتِ بِخُصُوصِ الصَّوْمِ، فَلَا يَقْوَى التَّشَبُّهُ بِهِمْ، بَلْ تَرْكُ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ النَّهْيُ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ كَرَاهَتُهُ مِنْ قَاعِدَةِ كَرَاهَةِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، وَمَنْ قَالَ: بِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّخْصِيصُ لِيَوْمٍ مُعَيَّنٍ، فَقَدْ أَبْطَلَ تَخْصِيصَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَعَلَّهُ يَنْضَمُّ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى: أَنَّ الْيَوْمَ لَمَّا كَانَ فَضِيلًا جِدًّا عَلَى الْأَيَّامِ، وَهُوَ يَوْمُ عِيدِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، كَانَ الدَّاعِي إلَى صَوْمِهِ قَوِيًّا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute