. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
عَلَى عِلْمِ الْأَصْلِ، لِيَتَأَكَّدَ الْقَصْدُ إلَيْهِ، وَتَشْتَدُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ.
وَ " الْأَعْمَالُ " هَاهُنَا لَعَلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ، كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ. وَاحْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ عِبَادَةِ الْمَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا كَلَامٌ فِي الْعَمَلِ: هَلْ يَتَنَاوَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ، أَمْ لَا؟ فَإِذَا جَعَلْنَاهُ مَخْصُوصًا بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ، تَبَيَّنَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ. فَإِنَّ مِنْ عَمَلِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ، كَالْإِيمَانِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ مُصَرَّحًا بِهِ أَعْنِي الْإِيمَانَ - فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ: أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَعْمَالِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ، وَأُرِيدَ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَا يَخْتَصُّ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ. وَقَوْلُهُ " الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا " لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ. وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ: الِاحْتِرَازُ عَمَّا إذَا وَقَعَتْ خَارِجَ الْوَقْتِ قَضَاءً. وَأَنَّهَا لَا تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " وَهُوَ أَقْرَبُ لَأَنْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَاَلَّذِي قِيلَ فِي هَذَا: إنَّهَا أَجْوِبَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِسَائِلٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ. أَوْ هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُرْشِدُ الْقَرَائِنُ إلَى أَنَّهَا الْمُرَادُ. وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟» وَفَسَّرَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى - عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي صِفَاتِهِمْ. وَلَوْ خُوطِبَ بِذَلِكَ الشُّجَاعُ الْبَاسِلُ الْمُتَأَهِّلُ لِلنَّفْعِ الْأَكْبَرِ فِي الْقِتَالِ لَقِيلَ لَهُ " الْجِهَادُ " وَلَوْ خُوطِبَ بِهِ مَنْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقِتَالِ وَلَا يَتَمَحَّضُ حَالُهُ لِصَلَاحِيَّةِ التَّبَتُّلِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ غَنِيًّا يَنْتَفِعُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ لَقِيلَ لَهُ " الصَّدَقَةُ " وَهَكَذَا فِي بَقِيَّةِ أَحْوَالِ النَّاسِ، قَدْ يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ هَذَا مُخَالِفًا لِلْأَفْضَلِ فِي حَقِّ ذَاكَ، بِحَسَبِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ.
[بِرُّ الْوَالِدَيْنِ] ١
وَأَمَّا " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ " فَقَدْ قُدِّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْجِهَادِ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute