للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٠ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» .

ــ

[إحكام الأحكام]

الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ حُكْمَ الرُّؤْيَةِ بِبَلَدٍ: هَلْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُرَ فِيهِ؟ . وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ. كَمَا إذَا فَرَضْنَا: أَنَّهُ رُئِيَ الْهِلَالُ بِبَلَدٍ فِي لَيْلَةٍ، وَلَمْ يُرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِآخَرَ. فَتَكَمَّلَتْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِالرُّؤْيَةِ الْأُولَى. وَلَمْ يُرَ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ: هَلْ يُفْطِرُونَ أَمْ لَا فَمَنْ قَالَ بِتَعَدِّي الْحُكْمِ، قَالَ بِالْإِفْطَارِ. وَقَدْ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ «لَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَامَّ، لَا حَدِيثًا خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعُ: اُسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِالْعَمَلِ بِالْحِسَابِ فِي الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ " فَاقْدُرُوا لَهُ " فَإِنَّهُ أَمْرٌ يَقْتَضِي التَّقْدِيرَ. وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ: إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ. وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ " فَاقْدُرُوا لَهُ " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى - أَعْنِي إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ - مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مُبَيَّنًا فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ". وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " غُمَّ عَلَيْكُمْ " اسْتَتَرَ أَمْرُ الْهِلَالِ وَغُمَّ أَمْرُهُ. وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ رِوَايَاتٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّيغَةِ.

[حَدِيثُ تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً]

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السُّحُورِ لِلصَّائِمِ. وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. وَهَذِهِ الْبَرَكَةُ: يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ. فَإِنَّ إقَامَةَ السُّنَّةِ تُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَتَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ، وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إجْحَافٍ بِهِ. وَ " السَّحُورُ " بِفَتْحِ السِّينِ: مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ. وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ. هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ.

وَ " الْبَرَكَةُ " مُحْتَمَلَةٌ لَأَنْ تُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلِ وَالْمُتَسَحَّرِ بِهِ مَعًا.

وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ حَمْلِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. بَلْ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِي لَفْظِ " فِي " وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّ فِي السَّحُورِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>