للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ فِي إقَامَةِ الْفَرْضِ، أَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفِي إذَا اشْتَهَرَ، كَمَا إذَا صَلَّى صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي السُّوقِ مَثَلًا. وَالْأَوَّلُ عِنْدِي: أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إنَّمَا كَانَ فِي جَمَاعَةِ الْمَسَاجِدِ. هَذَا وَصْفٌ مُعْتَبَرٌ لَا يَتَأَتَّى إلْغَاؤُهُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي صَدَّرْنَا بِهَا هَذَا الْبَحْثَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ نَظَرٌ فِي أَنَّ إقَامَةَ الشِّعَارِ هَلْ تَتَأَدَّى بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي بَحَثْنَاهُ أَوَّلًا: هُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ هَلْ تَتَضَاعَفُ بِالْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ أَمْ لَا؟

[هَلْ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ جَمَاعَةً] ١

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ» يَتَصَدَّى النَّظَرُ هُنَا: هَلْ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ جَمَاعَةً، أَوْ تَفْضُلُ عَلَيْهَا مُنْفَرِدًا؟ أَمَّا الْحَدِيثُ: فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى بِهَذَا الْقَدْرِ. لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ» مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ. لِأَنَّهُ قُوبِلَ بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ. وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ: لَمْ تَحْصُلْ الْمُقَابَلَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قِسْمُ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ. وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " صَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ " عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْأَفْرَادَ وَالْجَمَاعَةَ. وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ مِنْ جِهَةِ مَا وَرَدَ أَنَّ " الْأَسْوَاقَ مَوْضِعُ الشَّيَاطِينِ " فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهَا نَاقِصَةُ الرُّتْبَةِ، كَالصَّلَاةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَكْرُوهَةِ لِأَجْلِ الشَّيَاطِينِ، كَالْحَمَّامِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ - وَإِنْ أَمْكَنَ فِي السُّوقِ - لَيْسَ يُطَّرَدُ فِي الْبَيْتِ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَسَاوَى فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ جَمَاعَةً مَعَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي السُّوقِ جَمَاعَةً، فِي مِقْدَارِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ. فَإِنَّ الْأَصْلَ: أَنْ لَا يَتَسَاوَى مَا وُجِدَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَعَ مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةُ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِمَّا يَقْتَضِيه السِّيَاقُ: أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ مُنْفَرِدًا: فَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>