. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
نَهْيٌ عَنْ الْأُغْلُوطَاتِ " وَهِيَ شِدَادُ الْمَسَائِلِ وَصِعَابُهَا. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا: لِمَا يَتَضَمَّنُ كَثِيرٌ مِنْهُ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي الدِّينِ وَالتَّنَطُّعِ. وَالرَّجْمِ بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْعِثَارِ، وَخَطَأِ الظَّنِّ، وَالْأَصْلُ الْمَنْعُ مِنْ الْحُكْمِ بِالظَّنِّ، إلَّا حَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى سُؤَالِ الْمَالِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي تَعْظِيمِ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ سُؤَالِ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ مَمْنُوعٌ. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْإِعْطَاءُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، وَيَكُونُ الْبَاطِنُ خِلَافَهُ، أَوْ يَكُونُ السَّائِلُ مُخْبِرًا عَنْ أَمْرٍ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ: قَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ فِي هَذَا، وَهُوَ مَا رُوِيَ " أَنَّهُ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيَّتَانِ " وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا فُقَرَاءَ مُجَرَّدِينَ، يَأْخُذُونَ وَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ، بِنَاءً عَلَى الْفَقْرِ وَالْعَدَمِ. وَظَهَرَ أَنَّ مَعَهُ هَذَيْنِ الدِّينَارَيْنِ، عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ حَالِهِ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: جَوَازُ السُّؤَالِ. فَإِذَا قِيلَ بِذَلِكَ: فَيَنْبَغِي النَّظَرُ فِي تَخْصِيصِ الْمَنْعِ بِالْكَثْرَةِ. فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ تَقْتَضِي الْمَنْعَ. فَالسُّؤَالُ مَمْنُوعٌ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ. وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ الْمَنْعَ فَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلْكَثِيرِ مِنْ السُّؤَالِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو السُّؤَالُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ كَرَاهَةٍ. فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ فِي الْكَثْرَةِ أَشَدَّ. وَتَكُونُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالنَّهْيِ. وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا: أَنَّ مَنْ يَكْرَهُ السُّؤَالَ مُطْلَقًا - حَيْثُ لَا يُحَرَّمُ - يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْمِلَ قَوْلَهُ " كَثْرَةُ السُّؤَالِ " عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ، أَوْ يَجْعَلُ النَّهْيَ دَالًّا عَلَى الْمَرْتَبَةِ الْأَشَدِّيَّةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ.
[تَخْصِيصُ الْعُقُوقِ بِالْأُمَّهَاتِ]
وَتَخْصِيصُ الْعُقُوقِ بِالْأُمَّهَاتِ، مَعَ امْتِنَاعِهِ فِي الْآبَاءِ أَيْضًا، لِأَجْلِ شِدَّةِ حُقُوقِهِنَّ، وَرُجْحَانِ الْأَمْرِ بِبِرِّهِنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآبَاءِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لِإِظْهَارِ عِظَمِهِ فِي الْمَنْعِ، إنْ كَانَ مَمْنُوعًا، وَشَرَفِهِ إنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ. وَقَدْ يُرَاعَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ التَّنْبِيهُ بِذِكْرِ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. فَيُخَصُّ الْأَدْنَى بِالذِّكْرِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ.
[وَأْد الْبَنَاتِ] ١
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute