. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَفَرَّعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا: أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ آخِرَ الصَّلَاةِ، لَزِمَهُ إعَادَتُهُ فِي آخِرِهَا. وَصَوَّرُوا ذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي السُّجُودِ الْأَخِيرِ، فَيَلْزَمَهُ إتْمَامُ الظُّهْرِ، وَيُعِيدَ السُّجُودَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا فَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، وَتَصِلَ بِهِ السَّفِينَةُ إلَى الْوَطَنِ، أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، فَيُتِمُّ وَيُعِيدُ السُّجُودَ.
الثَّانِي عَشَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَتَدَاخَلُ، وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ، وَمَشَى. وَهَذِهِ مُوجِبَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَاكْتَفَى فِيهَا بِسَجْدَتَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَعَدَّدُ السُّجُودُ بِتَعَدُّدِ السَّهْوِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ أَوْ يَتَعَدَّدَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ. فَإِنَّهُ قَدْ تَعَدَّدَ الْجِنْسُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَمْ يَتَعَدَّدْ السُّجُودُ.
[مَحِلّ السُّجُودِ]
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي هَذَا السَّهْوِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَحِلِّ السُّجُودِ، فَقِيلَ: كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ: كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَمَحِلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَمَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ فَمَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَبْلَهُ فِي النَّقْصِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ. فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى الْجَمْعِ، بِأَنْ اسْتَعْمَلَ كُلَّ حَدِيثٍ قَبْلَ السَّلَامِ فِي النَّقْصِ، وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا: بِأَنَّ الْكُلَّ قَبْلَ السَّلَامِ، اعْتَذَرُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ السَّلَامِ بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: دَعْوَى النَّسْخِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ " إنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ: مُتَأَخِّرُو الْإِسْلَامِ، وَأَصَاغِرُ الصَّحَابَةِ. وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مُسْنَدَةً فَشَرْطُ النَّسْخِ: التَّعَارُضُ بِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ. وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَخِيرُ: هُوَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، لَكِنْ فِي مَحِلِّ النَّقْصِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ الْمُحْوِجُ إلَى النَّسْجِ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحِلَّ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute