للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ: نِصْفَ إنْسَانٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ: لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ.»

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثُ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً]

قَوْلُهُ " قِيلَ لَهُ: قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " يَعْنِي قَالَ لَهُ الْمَلَكُ فِيهِ دَلِيلٌ: عَلَى أَنَّ إتْبَاعَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِالْمَشِيئَةِ: يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " لَمْ يَحْنَثْ " وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُرَدَّ الْمَشِيئَةُ إلَى الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ مَثَلًا " لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَأَرَادَ: رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الدُّخُولِ أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولَهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ.

الثَّانِي: أَنْ يَرُدَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى نَفْسِ الْيَمِينِ فَلَا يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ، لِوُقُوعِ الْيَمِينِ، وَتَيَقُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُذْكَرَ عَلَى سَبِيلِ الْأَدَبِ فِي تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] لَا عَلَى قَصْدِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَهَذَا لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ.

وَلَا تَعَلُّقَ لِلْحَدِيثِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ وَمَالِكٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ، وَإِنْ عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ قَدْ شَاءَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا تَرَكْنَا التَّعَرُّضَ لِتَقْرِيرِهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْحَدِيثِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْكِنَايَةَ فِي الْيَمِينِ مَعَ النِّيَّةِ، كَالصَّرِيحِ فِي حُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>