للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَاتِلِ بِمَا قَتَلَ بِهِ، مُحَدَّدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحَدَّدٍ - خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - اقْتِدَاءً بِعِقَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَاتِلِ نَفْسِهِ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْيَهُودِيِّ، وَحَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ.

وَهَذَا الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُقَاسُ بِأَفْعَالِهِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا فَعَلَهُ فِي الْآخِرَةِ بِمَشْرُوعٍ لَنَا فِي الدُّنْيَا، كَالتَّحْرِيقِ بِالنَّارِ، وَإِلْسَاعِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَسَقْيِ الْحَمِيمِ الْمُقَطِّعِ لِلْأَمْعَاءِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَمَا لَنَا طَرِيقٌ إلَى إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ إلَّا نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ قِيَاسٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ عِنْد الْقِيَاسِيِّينَ وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ حُكْمًا، أَمَّا مَا كَانَ فِعْلًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا وَلَيْسَ مَا نَعْتَقِدَهُ فِعْلًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَيْضًا بِالْمُبَاحِ لَنَا فَإِنَّ لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ بِعِبَادِهِ، وَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ إلَّا مَا أُذِنَ لَنَا فِيهِ، بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.

[مَسْأَلَة التَّصَرُّفَاتُ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ لِلشَّيْءِ] ١

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّصَرُّفَاتُ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ لِلشَّيْءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَصَرُّفَاتُ التَّنْجِيزِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مُتَعَلِّقًا بِهِ فَهَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَاغِيَةٌ اتِّفَاقًا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً، أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا: يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ.

الثَّانِي: التَّصَرُّفَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِلْكِ، كَتَعَلُّقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ مَثَلًا، فَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَالشَّافِعِيُّ يُلْغِيه كَالْأَوَّلِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرَانِهِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُقَارِبُهُ، وَمُخَالِفُوهُ يَحْمِلُونَهُ عَلَى التَّنْجِيزِ، أَوْ يَقُولُونَ بِمُوجَبِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ التَّنْفِيذَ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْمِلْكِ، فَالطَّلَاقُ - مَثَلًا - لَمْ يَقَعْ قَبْلَ الْمِلْكِ، فَمِنْ هُنَا يَجِيءُ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.

وَهَهُنَا نَظَرٌ دَقِيقٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ - أَعْنِي تَعْلِيقَهُ بِالْمِلْكِ - وَبَيْنَ النَّذْرِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. وَاسْتَبْعَدَ قَوْمٌ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ وَمَا يُقَارِبُهُ بِالتَّنْجِيزِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا تَقُومُ بِهِ فَائِدَةٌ يَحْسُنُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ جِهَةُ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ بِقَوِيَّةٍ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا: فِي الِابْتِدَاءِ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً، وَفِي أَثْنَائِهَا فَائِدَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الشُّيُوعُ وَالشُّهْرَةُ لِبَعْضِهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ لَا يَنْفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>