للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِصَوْمِ الْأَبَدِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ " أَنَّ الْأَبَدَ " مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ " أَبَدٌ " فَإِذَا وَقَعَ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَعِلَّةُ الْحُكْمِ: وُقُوعُ الصَّوْمِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ. وَيَبْقَى تَرْتِيبُهُ عَلَى مُسَمَّى الْأَبَدِ غَيْرَ وَاقِعٍ. فَإِنَّهُ إذَا صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ تَعَلَّقَ بِهِ الذَّمُّ، سَوَاءٌ صَامَ غَيْرَهَا أَوْ أَفْطَرَ وَلَا يَبْقَى مُتَعَلِّقَ الذَّمِّ عَلَيْهِ صَوْمُ الْأَبَدِ، بَلْ هُوَ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَوْمُ الْأَبَدِ يَلْزَمُ مِنْهُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ: تَعَلَّقَ بِهِ الذَّمُّ، لِتَعَلُّقِهِ بِلَازِمِهِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ. فَمِنْ هَهُنَا نَظَرَ الْمُتَأَوِّلُونَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فَتَرَكُوا التَّعْلِيلَ بِخُصُوصِ صَوْمِ الْأَبَدِ.

[مَسْأَلَة كَرِهَ جَمَاعَةٌ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ] ١

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ. لِرَدِّ النَّبِيِّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ، وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِوَظَائِفَ عَدِيدَةٍ

وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَعَلَّهُمْ حَمَلُوا الرَّدَّ عَلَى طَلَبِ الرِّفْقِ بِالْمُكَلَّفِ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْكَرَاهَةِ بِالرَّدِّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الرَّدَّ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ صِيَامُ النَّهَارِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ فَلَا يَلْزَمُ تَرَتُّبُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " إنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ " تُطْلِقُ عَدَمَ الِاسْتِطَاعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَعَذَّرِ مُطْلَقًا، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاقِّ عَلَى الْفَاعِلِ. وَعَلَيْهِمَا ذُكِرَ الِاحْتِمَالُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، حَتَّى أُخِذَ مِنْهُ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا يَشُقُّ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ. فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ " مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْكَ، عَلَى الْأَقْرَبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ: إمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَبْلُغَ مِنْ الْعُمْرِ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ ذَلِكَ. وَعَلِمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقٍ، أَوْ فِي ذَلِكَ الْتِزَامٌ لِأَوْقَاتٍ تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا، مَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ " مَعَ الْقِيَامِ بِبَقِيَّةِ الْمَصَالِحِ الْمَرْعِيَّةِ شَرْعًا.

[مَسْأَلَة اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ] ١

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ

وَعِلَّتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي الْحَدِيثِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَعْيِينِهَا مِنْ الشَّهْرِ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الْأَحَبِّ وَالْأَفْضَلِ لَا غَيْرُ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَأَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ " مُؤَوَّلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>