٢٥٩ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ .»
ــ
[إحكام الأحكام]
الْمَصْلَحَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي؟ فَإِنَّ الثِّمَارَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُعَرَّضَةٌ لِلْعَاهَاتِ. فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا حَصَلَ الْإِجْحَافُ بِالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ الَّذِي بَذَلَهُ، وَمَعَ هَذَا: فَقَدْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ. وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ كَمَا نَهَى الْبَائِعَ، وَكَأَنَّهُ قَطَعَ النِّزَاعَ وَالتَّخَاصُمَ. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمَعْنَى: حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ.
[حَدِيثٌ نَهَى رَسُول اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ]
وَ " الْإِزْهَاءُ " تَغَيُّرُ لَوْنِ الثَّمَرَةِ فِي حَالَةِ الطِّيبِ. وَالْعِلَّةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهَا لِلْجَوَائِحِ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِمُسَمَّى الْإِزْهَاءِ وَابْتِدَائِهِ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَكَامُلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الْإِزْهَاءِ غَايَةً لِلنَّهْيِ، وَبِأَوْلِهِ يَحْصُلُ الْمُسَمَّى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ - أَعْنِي مَا لَمْ يَزْهُ مِنْ الْحَائِطِ - إذَا دَخَلَ تَحْتَ اسْمِ الثَّمَرَةِ. فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ، فَإِنْ قَالَ بِهَذَا أَحَدٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ زَهْوَ بَعْضِ الثَّمَرَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا أَزْهَتْ بِإِزْهَاءِ بَعْضِهَا مَعَ حُصُولِ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ غَالِبًا. وَلَوْلَا وُجُودُ الْمَعْنَى كَانَ تَسْمِيَتُهَا " مُزْهِيَةً " بِإِزْهَاءِ بَعْضِهَا: قَدْ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِكَوْنِهِ مَجَازًا. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» عَلَى وَضْعِ الْحَوَائِجِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute