. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
[حَدِيثُ إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعُهَا]
الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ لِلنِّسَاءِ عَنْ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ» يُشْعِرُ أَيْضًا بِطَلَبِهِنَّ لِلْخُرُوجِ فَإِنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى. وَيَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْ الْخُرُوجِ إبَاحَتُهُ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمْ يَنْهَ الرِّجَالَ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ. وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي النِّسَاءِ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ خَصُّوهُ بِشُرُوطٍ وَحَالَاتٍ: مِنْهَا: أَنْ لَا يَتَطَيَّبْنَ. وَهَذَا الشَّرْطُ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ. فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» وَفِي بَعْضِهَا «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» وَفِي بَعْضِهَا «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ» فَأَلْحَقَ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ. فَإِنَّ الطِّيبَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ دَاعِيَةِ الرِّجَالِ وَشَهْوَتِهِمْ. وَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَحْرِيكِ شَهْوَةِ الْمَرْأَةِ أَيْضًا. فَمَا أَوْجَبَ هَذَا الْمَعْنَى الْتَحَقَ بِهِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَيَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا: حُسْنُ الْمَلَابِسِ، وَلُبْسُ الْحُلِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الزِّينَةِ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحِ " لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ: لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " عَلَى هَذَا، تَعْنِي إحْدَاثَ حُسْنِ الْمَلَابِسِ وَالطِّيبِ وَالزِّينَةِ. وَمِمَّا خَصَّ بِهِ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ: أَنَّ مَنْعَ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ الْمَشْهُورَةِ. وَمِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ: أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ مَا يُشْعِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى. فَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ» فَالتَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ قَدْ يُشْعِرُ بِمَا قَالَ. وَمِمَّا قِيلَ أَيْضًا فِي تَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يُزَاحِمْنَ الرِّجَالَ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَمَدَارُ هَذَا كُلِّهِ النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى. فَمَا اقْتَضَاهُ الْمَعْنَى مِنْ الْمَنْعِ جُعِلَ خَارِجًا عَنْ الْحَدِيثِ. وَخُصَّ الْعُمُومُ بِهِ. وَفِي هَذَا زِيَادَةٌ. وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ وَقَعَ عَلَى بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ التَّخْصِيصُ، وَهُوَ عَدَمُ الطِّيبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute