الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ بِلَالٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ، بِصَاعٍ لِيَطْعَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ. وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ. ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» .
٢٧٨ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ «
ــ
[إحكام الأحكام]
[حَدِيثٌ جَاءَ بِلَالٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ]
هُوَ نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فِي التَّمْرِ، وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُخَالِفُ رِبَا الْفَضْلِ، وَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، وَأَخَذَ قَوْمٌ مِنْ الْحَدِيثِ: تَجْوِيزَ الذَّرَائِعِ، مِنْ حَيْثُ قَوْلُهُ «بِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» فَإِنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهُ، وَالشِّرَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ بَاعَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ التَّوَصُّلَ إلَى شِرَاءِ الْأَكْثَرِ أَوْ لَا: وَالْمَانِعُونَ مِنْ الذَّرَائِعِ: يُجِيبُونَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ، فَيُحْمَلُ عَلَى بَيْعِهِ مَعَ غَيْرِ الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَمْنَعُونَهَا. فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُكْتَفَى فِي الْعَمَلِ بِهِ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فِعْلًا، كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِالدُّخُولِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبَيْنَ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ، حَمْلًا عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ اللَّفْظُ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى التَّقْيِيدِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ. فِي الصِّفَاتِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ.
قَوْلُهُ " بِبَيْعٍ آخَرَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: بِمَبِيعٍ آخَرَ، وَيُرَادُ بِهِ: التَّمْرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ: بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، عَلَى مَعْنَى زِيَادَةِ الْبَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْهُ بَيْعًا آخَرَ، وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ: قَوْلُهُ " ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute