١٢٤ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١]- إلَّا يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَفِي لَفْظٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» .
ــ
[إحكام الأحكام]
ارْحَمْنِي " وَقَدْ وَقَعَتْ الْمُقَابَلَةُ هَهُنَا لِلْأَوَّلِ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي بِالثَّانِي. وَقَدْ يَقَعُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، بِأَنْ يُرَاعَى الْقُرْبُ، فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ لِلْأَخِيرِ. وَذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَطَلَبِ التَّفَنُّنِ فِي الْكَلَامِ. وَمِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ: مُنَاسَبَةُ مَقَاطِعِ الْآيِ لِمَا قَبْلَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيثُ قَوْلُ رَسُول اللَّهِ فِي " إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " فِي الصَّلَاة]
حَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ مُبَادَرَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَمُلَازَمَتِهِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يُسَبِّحَ بِنَفْسِ الْحَمْدِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ الْحَمْدُ مِنْ مَعْنَى التَّسْبِيحِ، الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ، لِاقْتِضَاءِ الْحَمْدِ نِسْبَةَ الْأَفْعَالِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ. وَفِي ذَلِكَ نَفْيُ الشَّرِكَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فَسَبِّحْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَمْدِ. فَتَكُونُ الْبَاءُ دَالَّةً عَلَى الْحَالِ. وَهَذَا يَتَرَجَّحُ. لِأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ سَبَّحَ وَحَمَدَ بِقَوْلِهِ " سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ " وَعَلَى مُقْتَضَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يُكْتَفَى بِالْحَمْدِ فَقَطْ. وَكَأَنَّ تَسْبِيحَ الرَّسُولِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِ الْمَعْنَى الثَّانِي.
وَقَوْلُهُ " وَبِحَمْدِكَ " قِيلَ مَعْنَاهُ: وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَذْفٌ، أَيْ بِسَبَبِ حَمْدِ اللَّهِ سَبَّحْتُ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ هَهُنَا: التَّوْفِيقَ وَالْإِعَانَةَ عَلَى التَّسْبِيحِ، وَاعْتِقَادَ مَعْنَاهُ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute