«أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
[بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ] [حَدِيثُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ]
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ الرُّؤْيَا، وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّاتِ، وَعَلَى مَا لَا يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، وَأَمَرَهُ بِأَمْرٍ: هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ وَقِيلَ فِيهِ: إنَّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا عَمِلَ بِمَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ؛ لِأَنَّا - وَإِنْ قُلْنَا: بِأَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ مِنْ صِفَتِهِ، فَرُؤْيَاهُ حَقٌّ - فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ. وَالْعَمَلُ بِأَرْجَحِهِمَا. وَمَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ فَهُوَ أَرْجَحُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ: فَفِيهِ خِلَافٌ.
١ -
وَالِاسْتِنَادُ إلَى الرُّؤْيَا هَهُنَا: فِي أَمْرٍ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ السَّبْعُ الْأَوَاخِرُ لِسَبَبِ الْمَرَائِي الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ، إنَّهُ اسْتِحْبَابٌ شَرْعِيٌّ: مَخْصُوصٌ بِالتَّأْكِيدِ، بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ اللَّيَالِي، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُنَافٍ لِلْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ، مِنْ اسْتِحْبَابِ طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَقَدْ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ " لَيْلَةَ الْقَدْرِ " فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. وَقَالُوا: لَوْ قَالَ فِي رَمَضَانَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مَخْصُوصَةً بِرَمَضَانَ مَظْنُونٌ. وَصِحَّةُ النِّكَاحِ مَعْلُومَةٌ، فَلَا تُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ، أَعْنِي بِيَقِينِ مُرُورِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، كَانَ إزَالَةُ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ. وَهُوَ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَحْكَامُ الْمُقْتَضِيَةُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ يَجُوزُ أَنْ تُبْنَى عَلَى أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَيُرْفَعُ بِهَا النِّكَاحُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ أَوْ أَحْكَامِهِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute