٢٨٢ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ - «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ - أَوْ إنْسَانٍ - قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
بِوُجُوبِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْمُحِيلِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ، مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ عَنْهُ، وَتَرْكِ تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ بِالطَّلَبِ. وَفِي الْحَدِيثِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ: أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ ظُلْمًا - وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ - فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الْمَطْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ، بَلْ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا وَيُوفِيهِ. فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ: تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةِ تَوَاءِ الْحَقِّ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ. لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِ الْمَطْلِ ظُلْمًا. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمَ تَوَاءِ الْحَقِّ لَا الظُّلْمُ.
[حَدِيثٌ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ]
فِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى رُجُوعُ الْبَائِعِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْفَلَسِ، أَوْ الْمَوْتِ. فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، لَا فِي الْمَوْتِ وَلَا فِي الْفَلَسِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثُ: يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْفَلَسِ دُونَ الْمَوْتِ. وَيَكُونُ فِي الْمَوْتِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْفَلَسِ، وَدَلَالَتُهُ قَوِيَّةٌ جِدًّا، حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِخِلَافِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute