فِي امْرَأَتِكَ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
[حَدِيثٌ إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بِهَا]
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِيَادَةِ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ، وَدَلِيلٌ عَلَى ذِكْرِ شِدَّةِ الْمَرَضِ لَا فِي مَعْرِضِ الشَّكْوَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ لِذَوِي الْأَمْوَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مُبَادَرَةِ الصَّحَابَةِ، وَشِدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ، لِطَلَبِ سَعْدٍ التَّصَدُّقَ بِالْأَكْثَرِ
[تَخْصِيصِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ] ١
، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الثُّلُثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَفِي بَعْضِهَا جُعِلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَفِي بَعْضِهَا جُعِلَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، فَإِذَا جُعِلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» إلَّا أَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنْ لَا يُعْتَبَرَ السِّيَاقُ الَّذِي يَقْتَضِي تَخْصِيصَ كَثْرَةِ الثُّلُثِ بِالْوَصِيَّةِ، بَلْ يُؤْخَذُ لَفْظًا عَامًّا وَالثَّانِي: أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ مُسَمَّى الْكَثْرَةِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، بِأَنْ يُقَالَ: الْكَثْرَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَالثُّلُثُ مُعْتَبَرٌ، وَمَتَى لَمْ تُلْمَحْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ: لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ.
مِثَالٌ مِنْ ذَلِكَ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَى أَنَّهُ إذَا مَسَحَ ثُلُثَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ: أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ لِلْحَدِيثِ فَيُقَالُ لَهُ: لِمَ قُلْتَ إنَّ مُسَمَّى الْكَثْرَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَسْحِ؟ فَإِذَا أَثْبَتَهُ قِيلَ لَهُ: لِمَ قُلْتَ إنَّ مُطْلَقَ الثُّلُثِ كَثِيرٌ، وَإِنَّ كُلَّ ثُلُثٍ فَهُوَ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ حُكْمٍ؟ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ سَائِرَ الْمَسَائِلِ، فَيُطْلَبُ فِيهَا تَصْحِيحُ كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute