٤٠٢ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَهُ فَصَنَعَ النَّاسُ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ، فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» ، وَفِي لَفْظٍ " جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى ".
ــ
[إحكام الأحكام]
بِالْعَامِّ عَنْ الْخَاصِّ وَيُرَادُ بِهِ: مَا رَقَّ مِنْ الدِّيبَاجِ لِيُقَابِلَ بِمَا غَلُظَ وَهُوَ " الْإِسْتَبْرَقُ " وَقَدْ قِيلَ: إنَّ " الْإِسْتَبْرَقَ " لُغَةٌ فَارِسِيَّةٌ انْتَقَلَتْ إلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَذَلِكَ الِانْتِقَالُ بِضَرْبٍ مِنْ التَّغْيِيرِ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ عِنْدَ التَّعْرِيبِ.
[حَدِيثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ]
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ لِبَاسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَأَنَّ لُبْسَهُ كَانَ أَوَّلًا، وَتَجَنُّبَهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ " اللُّبْسِ " عَلَى التَّخَتُّمِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّأَسِّي بِأَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنَّ النَّاسَ نَبَذُوا خَوَاتِيمَهُمْ، لَمَّا رَأَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَذَ خَاتَمَهُ، وَهَذَا عِنْدِي لَا يَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي تُمْكِنُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا التَّأَسِّي عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ، لَوْلَا التَّأَسِّي لِقِيَامِ الْمَانِعِ مِنْهُ فَهَذَا يُقَوِّي الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فِي مَحَلِّهِ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُمْنَعُ فِعْلُهُ، لَوْلَا التَّأَسِّي، كَمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ: أَنْ يَكُونَ لُبْسَهُ حَرَامًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْأُمَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ أَنْ يَطْرَحَهُ مَنْ أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهُ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى التَّأَسِّي فِيمَا الْأَصْلُ مَنْعُهُ لَوْلَا التَّأَسِّي: فَلَمْ يَفْعَلْ جَيِّدًا لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاقِعِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّخَتُّمِ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى، وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا فِعْلٌ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْهُ: جَوَازُ اللُّبْسِ، بِخُصُوصِ كَوْنِهِ ذَهَبًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَسْخُ الْوَصْفِ، وَهُوَ التَّخَتُّمُ فِي الْيُمْنَى بِخَاتَمٍ غَيْرِ الذَّهَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute