٣٥٦ - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.»
ــ
[إحكام الأحكام]
أَصْلٌ فِي التَّقْوِيمِ وَإِلَّا كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الذَّهَبِ - الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ - أَوْلَى وَأَوْجَبَ، عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّقْوِيمَ بِهِ. وَالْحَنَفِيَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيمَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ " الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا " يَقُولُونَ - أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ - فِي التَّأْوِيلِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ التَّقْوِيمَ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ تَخْمِينِيٌّ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ عِنْدَ عَائِشَةَ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَيَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهَا أَكْثَرَ. وَقَدْ ضَعَّفَ غَيْرُهُمْ هَذَا التَّأْوِيلَ وَشَنَّعَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا مَعْنَاهُ: إنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ لِتُخْبِرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مِقْدَارِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ، إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، لِعِظَمِ أَمْرِ الْقَطْعِ. وَ " الْمِجَنُّ " بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ: التُّرْسُ، مِفْعَلٌ مِنْ مَعْنَى الِاجْتِنَانِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ وَالِاخْتِفَاءُ، وَمَا يُقَارِبُ ذَلِكَ، وَمِنْهُ " الْجِنُّ "، وَكُسِرَتْ مِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الِاجْتِنَانِ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَتِرُ بِهِ عَمَّا يُحَاذِرُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَا كُنْتُ أَتَّقِي ... ثَلَاثَ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ
وَالْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ: مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ، وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ ذِكْرِ " الثَّمَنِ " فَلَعَلَّهُ لِتَسَاوِيهِمَا عِنْدَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ فِي ظَنِّ الرَّاوِي أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَالِكُهُ لَمْ تُعْتَبَرْ إلَّا الْقِيمَةُ.
[حَدِيثُ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا]
هَذَا الْحَدِيثُ اعْتِمَادُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِقْدَارِ النِّصَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا وَقَوْلًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَوْلٌ وَهُوَ أَقْوَى فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ فِي مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ - اتَّفَقَ أَنَّ السَّارِقَ الَّذِي قُطِعَ سَرَقَهُ - أَنْ لَا يُقْطَعَ مَنْ سَرَقَ مَا دُونَهُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute