. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
حُصُولَ الْفَائِدَةِ عِنْدَ تَأْسِيسِ الْأَحْكَامِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» فِيهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ كَقَتْلِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَوْ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ؟ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَحْكَامَ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَلَعْنَهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الْآخِرَةِ: فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا التَّسَاوِي فِي الْإِثْمِ، أَوْ فِي الْعِقَابِ؟ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ مَفْسَدَةِ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ إذْهَابُ الرُّوحِ فِي الْمَفْسَدَةِ كَمَفْسَدَةِ الْأَذَى بِاللَّعْنَةِ، وَكَذَلِكَ الْعِقَابُ يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْجَرَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ، بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فَإِنَّ الْخَيْرَاتِ مَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدَ شُرُورٌ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ الْإِمَامُ - يَعْنِي الْمَازِرِيَّ -: الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ تَشْبِيهُهُ فِي الْإِثْمِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ قَطْعٌ عَنْ الرَّحْمَةِ، وَالْمَوْتَ قَطْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَالَ الْقَاضِي، وَقِيلَ: لَعْنَتُهُ تَقْتَضِي قَصْدَهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْعَهُمْ مَنَافِعَهُ، وَتَكْثِيرَ عَدَدِهِمْ بِهِ كَمَا لَوْ قَتْلَهُ، وَقِيلَ: لَعْنَتُهُ تَقْتَضِي قَطْعَ مَنَافِعِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَنْهُ، وَبُعْدَهُ مِنْهَا بِإِجَابَةِ لَعْنَتِهِ فَهُوَ كَمَنْ قُتِلَ فِي الدُّنْيَا، وَقُطِعَتْ عَنْهُ مَنَافِعُهُ فِيهَا، وَقِيلَ: الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ: تَشْبِيهٌ فِي الْإِثْمِ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي التَّحْرِيمِ، وَأَقُولُ: هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَلْخِيصٍ وَنَظَرٍ. أَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ - مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي التَّحْرِيمِ - فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ التَّشْبِيهُ وَالِاسْتِوَاءُ فِي أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَالْإِثْمِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقَعَ فِي مِقْدَارِ الْإِثْمِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ - قَلَّتْ أَوْ عَظُمَتْ - فَهِيَ مُشَابِهَةٌ أَوْ مُسْتَوِيَةٌ مَعَ الْقَتْلِ فِي أَصْلِ التَّحْرِيمِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْحَدِيثِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ: تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّعْنَةِ بِتَشْبِيهِهَا بِالْقَتْلِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ وَهُوَ التَّفَاوُتُ فِي الْمَفْسَدَةِ بَيْنَ إزْهَاقِ الرُّوحِ وَإِتْلَافِهَا، وَبَيْنَ الْأَذَى بِاللَّعْنَةِ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ - مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ اللَّعْنَةَ قَطْعٌ عَنْ الرَّحْمَةِ، وَالْمَوْتَ قَطْعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute