٣٦٥ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ــ
[إحكام الأحكام]
الْيَمِينِ، مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَكَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ قَوْلُهُ " لَأَطُوفَنَّ " لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ، لِأَجْلِ اللَّازِمِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى قَوْلِهِ " لَأَطُوفَنَّ "، فَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُ بِمِثْلِ هَذَا فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَيُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ، وَتَقْدِيرِ اللَّفْظِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى صَرِيحًا فِي الْمَحْكِيِّ وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي الْحِكَايَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي الْحِكَايَةِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ " وَاَللَّهِ لَأَطُوفَنَّ " فَقَدْ قَالَ " لَأَطُوفَنَّ " فَإِنَّ اللَّافِظَ بِالْمُرَكَّبِ لَافِظٌ بِالْمُفْرَدِ. وَقَوْلُهُ " وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ " يُرَادُ بِهِ: أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ مَا أَرَادَ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ: جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ وُقُوعِ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ، فَإِنَّ هَذَا الْإِخْبَارَ - أَعْنِي قَوْلَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا " - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَحْيٍ وَإِلَّا لَوَجَبَ وُقُوعُ مَخْبَرِهِ. وَأَجَازَ الْفُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةُ الْيَمِينَ عَلَى الظَّنِّ فِي الْمَاضِي وَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَضْعَفَ مِنْ هَذَا وَأَجَازَ الْحَلِفَ فِي صُورَةٍ، بِنَاءً عَلَى قَرِينَةٍ ضَعِيفَةٍ. وَأَمَّا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: فَإِنَّهُ دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى احْتِمَالٍ فِي هَذَا الْجَوَازِ وَتَرَدُّدٍ، أَوْ عَلَى نَقْلِ خِلَافٍ - أَعْنِي الْيَمِينَ عَلَى الظَّنِّ -؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظَّنَّ كَذَلِكَ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا اتَّصَلَ بِالْيَمِينِ فِي اللَّفْظِ: أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَ قَالَ " قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ لَمَا أَفَادَ قَوْلُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ تَأَدُّبًا، لَا لِرَفْعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ. وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ» مَعَ احْتِمَالِهِ لِلتَّأْوِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute