الفَصْلُ الثَّالثُ
صِحَّةُ الإجَازَةِ، والعَمَلُ بِها عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ
لَقَدْ أطْبَقَ جَمْهُوْرُ السَّلَفِ والخَلَفِ عَلى صِحَّةِ الإجَازَةِ وقَبُوْلها، بَلْ قَدْ حَكَى بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ الإجْمَاعَ عَلى صِحَّتِها، كأبي الوَلِيْدِ البَاجِي (٤٧٤)، والقَاضِي عِيَاضِ بنِ مُوْسَى اليَحْصُبِيِّ (٥٤٤) رَحِمَهُما اللهُ تَعَالى.
قُلْتُ: وفِيْما حَكَيَاهُ نَظَرٌ، إلا أنَّ السَّوَادَ الأعْظَمَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ قَدِيْمًا وحَدِيْثًا عَلى صِحَّتِها واعْتِبَارِها في الجُمْلَةِ.
قَالَ الحَافِظُ أبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في «الوَجِيْزِ» (٥٣ - ٥٧): «فاعْلَمْ الآنَ أنَّ الإجَازَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ المُتَصَرِّفِيْنَ في الأصْلِ والفَرْعِ، وعُلَماءِ الحَدِيْثِ في القَدِيْمِ والحَدِيْثِ، قَرْنًا فَقَرْنًا، وعَصْرًا فَعَصْرًا إلى زَمَانِنَا هَذَا.
ويُبِيْحُوْنَ بِها الحَدِيْثَ، ويُخَالِفُوْنَ فِيْها المُبْتَدِعَ الخَبِيْثَ، الَّذِي غَرَضُهُ هَدْمُ مَا أسَّسَه الشَّارِعُ، واقْتَدَى به الصَّحَابيُّ والتَّابِعُ، فَصَارَ فَرْضًا وَاجِبًا، وحَتْما لازِبًا.
ومَنْ رُزِقَ التَّوْفِيْقَ، ولاحَظَ التَّحْقِيْقَ مِنْ جَمِيْعِ الخَلْقِ، بَالَغَ في اتِّبَاعِ السَّلَفِ الَّذِيْنَ هُم القُدَى، وأئِمَّةُ الهُدَى، إذِ اتِّبَاعُهُم في الوَارِدِ مِنَ السُّنَنِ، مِنْ أنْهَجِ السَّنَنِ، وأوْقَى الجُنَنِ، وأقْوَى الحُجَجِ، السَّالِمَةِ مِنَ العِوَجِ.
ومَا دَرَجُوا عَلَيْه: هُو الحَقُّ الَّذِي لا يَسُوْغُ خِلافُه، ومَنْ خَالَفَه فَفِي خلِافِه مَلامَةٌ، ومَنْ تَعَلَّق بِه فالحُجَّةُ الوَاضِحَةُ سَلَكَ، وبالعُرْوَةِ الوُثْقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute