للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن بدء الخلق كان يوم الأحد وآخر الأيام الستة يوم الجمعة؛ فعظمت اليهود السبت لأنهم اعتقدوه اليوم السابع وزادوا كفرًا وعدوانًا بأن سموه يوم الراحة، قالوا: استراح اللَّه فيه من الخلق تعالى اللَّه عما يقولون علوًّا كبيرًا، وعظمت النصارى يوم الأحد لأنه الذي ابتدئ فيه بخلق المخلوقات، وكل ذلك ليس بصحيح بل الصحيح ما ثبت في "صحيح مسلم" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ. . . " (١) الحديث، فآخر الأيام الستة إذن يوم الخميس فكان يوم الجمعة هو اليوم السابع، وفيه خلق آدم عليه السلام فأكرم اللَّه بنيه بأن يجتمعوا يوم خلقه ويشكروا اللَّه تعالى ويذكروه لأنه جعل فيه بدء خلقهم وكذلك جعل فيه فناءهم، كما ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ" (٢) فكان الاجتماع فيه للتذكرة بالمبدأ والمعاد، ولهذا خص البيع فيه بالنهي عند السعي إلى الجمعة تذكرة باليوم الذي لا بيع فيه ولا خلال، ولأجل التذكرة بالمبدأ والمعاد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واللَّه أعلم- يقرأ سورة الجمعة في صبحه.

وَاسْتَحَبَّ الفقهاء قراءتها لما اشتملت عليه من ذكر خلق آدم من طين، ولما فيها من ذكر يوم القيامة، ثم كان هذا اليوم مناسبًا لسبق هذه الأمة إلى كل خير؛ لأنه سابق ليومي اليهود والنصارى؛ ولأنه وتر الأيام التي قبله على ما تقدم أن أول المخلوقات كان يوم السبت واللَّه تعالى وتر يحب الوتر.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الأَيَّامِ أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ؟

وهما وجهان لأصحابنا، ورجح المتأخرون منهم تفضيل يوم عرفة؛ لحديث هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ من يَوْمِ عَرَفَةَ. . . " الحديث، أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٣) وإسناده على شرط مسلم.


(١) رواه مسلم (٢٧٨٩) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٢) رواه مسلم (٨٥٤) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٣) رواه ابن حبان (٣٨٥٣).

<<  <   >  >>